صرف الهمّة نحو اختصاره ، والاقتصار على بيان معانيه وكشف أستاره ؛
______________________________________________________
ولا يعكر على هذا قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ)(١) ؛ لأن المراد : ويسألونك عن جواب هذا الاستفهام.
(قوله : صرف الهمة) هى لغة : الإرادة ، وعرفا : حالة للنفس يتبعها غلبة انبعاث إلى نيل مقصود ما ، فإن كان عليّا فهى علية ، وإلا فهى دنيئة ، والمراد هنا المعنى اللغوى أى : سألونى أن أصرف إرادتي ، وفى الكلام استعارة بالكناية حيث شبّه الهمة بناقة بيد صاحبها زمامها يصرفها به إلى أى جهة يريد ، والصرف تخييل إما باق على حقيقته أو مستعار للتوجيه. (قوله : نحو اختصاره) (٢) أى إلى جهة اختصاره ، فشبه الاختصار بمكان ذى جهة ، بجامع ارتياح النفس فى كلّ ، وإثبات النحو تخييل إما باق على حقيقته أو مستعار للاشتغال بالاختصار ، ويصح أن تكون إضافة النحو للاختصار بيانية ولا استعارة ولا شيء.
(قوله : والاقتصار على بيان معانيه) هذا الضمير والذى بعده يرجعان للتلخيص بخلاف الضمائر الآتية بعد فإنها راجعة للشرح ، و" الاقتصار" عطف على" اختصاره" أو على مفعول" سألونى" الثاني ، وعلى كل حال فهو تفسير للاختصار المسئول فالمراد أخذ بعض الشرح على وجه بليغ يفهم به المتن ، وليس المراد به أن يأتى بمعانى المطول كلها فى ألفاظ قليلة ؛ إذ هذا محال عادة ، (وقوله : على بيان معانيه) أى : تبيين مدلولات ألفاظه المطابقية والتضمنية والالتزامية. (قوله : وكشف أستاره) أى : توضيح معانيه الصعبة ، وإزالة الخفاء عنها ، فشبه تلك المعانى بعروس على سبيل المكنية ، وإثبات الستر تخييل ، والكشف ترشيح ، أو شبه الغموض والخفاء بالأستار ، واستعار اسم المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة المصرحة ، وعطف كشف الأستار على ما قبله من عطف الخاص على العام ؛ لأن كشف الأستار قاصر على تبيين المعانى الصعبة الخفية ، ثم لا يخفى ما فى ذكر الرؤية
__________________
(١) البقرة : ٢١٥.
(٢) هو الإيجاز واللمحة الدالة وهو من أبرز أساليب العرب.