طويل جرى بيننا ، عن معنى المتنبي ، لأني أردت أن أسمع منه هل تنبىّ أم لا؟ فأجابني بجواب مغالط لي ، وهو أن قال : هذا شيء كان في الحداثة أوجبته الصورة ، فاستحييت أن أستقصي عليه وأمسكت.
وقال لي أبو علي بن أبي حامد : قال لي أبي ونحن بحلب ، وقد سمع قوما يحكون عن أبي الطيب المتنبي هذه السورة التي قدمنا ذكرها : لو لا جهله أين قوله : «امضي على سننك» إلى آخر الكلام من قول الله تعالى : «فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين انا كفيناك المستهزئين» (١) إلى آخر القصة ، وهل تتقارب الفصاحة فيهما أو يشتبه الكلامان (٢)؟!
قرأت في نسخة وقعت إلي من شعر أبي الطيب المتنبي ذكر فيها عند قوله :
أبا عبد الإله معاذ أنى خفي |
|
عنك في الهيجاء مقامي |
ذكرت جسيم ما طلبي وإنّ |
|
نخاطر فيه بالمهج الجسام |
أمثلي تأخذ النكبات منه |
|
ويجزع من ملاقاة الحمام |
ولو برز الزمان إلي شخصيا |
|
لخضبّ شعر مفرقه حسامي |
وما بلغت مشيتها الليالي |
|
ولا سارت وفي يدها زمامي |
(٣٠ ـ ظ)
إذا امتلأت عيون الخيل مني |
|
فويل للتيقظ والمنام (٣) |
وقال : أبو عبد الله معاذ بن اسماعيل اللاذقي : قدم المتنبي اللاذقية في سنة نيف وعشرين وثلاثمائة وهو كما عذر (٤) ، وله وفرة الى شحمتي أذنه ، وضوى إلي فأكرمته وعظمته لما رأيت من فصاحته وحسن سمته ، فلما تمكن الأنس بيني وبينه ،
__________________
(١) سورة الحجر الآية : ٩٤.
(٢) تاريخ بغداد : ٤ / ١٠٤ ـ ١٠٥.
(٣) ديوانه : ٢٢٢.
(٤) عذر تعذيرا : الغلام نبت شعر عذاره : القاموس.