ثم أنشده بعد ذلك ما كان قال فيه من الشعر ، وبعد يومين أو ثلاثة (٤٥ ـ و) أنشده أبو الطيب المتنبي : أيدري الدمع (١) أي دم أراقا.
إلى أن انتهى إلى قوله :
وخصر تنبت الأبصار فيه |
|
كأنّ عليه من حدق نطاقا |
قال : فقال السري هذا والله معنى ما قدر عليه المتقدمون ، ثم إنه حمّ في الحال حسدا ، وتحامل إلى منزله ، فمات بعد ثلاثة أيام.
قلت : هكذا وجدته بخط الحصكفي ، والمتنبي فارق سيف الدولة في سنة ست وأربعين وثلاثمائة والسري توفي بعيد سنة ستين وثلاثمائة ببغداد على ما نقله الخطيب في تاريخه (٢) ، وقيل سنة اثنتين وستين وثلاثمائة ، فعلى هذا لا يكون لهذه الحكاية صحة.
وقد نقل ابو اسحاق إبراهيم بن حبيب السقطي في تاريخه المسمى «بلوامع الأمور» أن السري توفي سنة أربع وأربعين وثلاثمائة ، فعلى هذا تكون هذه الحكاية محتملة الصحة بشرط أن يكون موت السري بالشام ، ولم ينقل ذلك كيف ، وهو أن هذه القصيدة من أول شعر أبي الطيب المتنبي في سيف الدولة والله أعلم.
أخبرنا ياقوت بن عبد الله الحموي قال : وحدث أبو العباس أحمد بن إبراهيم الضبيّ أن الصاحب إسماعيل بن عبّاد قال بأصبهان ، وهو يومئذ على الانشاء : بلغني أن هذا الرجل ، يعني المتنبي ، قد نزل بأرجان متوجها إلى ابن العميد ، ولكن إن جاءني خرجت إليه من جميع (٤٥ ـ ظ) ما أملكه ، وكان جميع ما يملكه لا يبلغ ثلاثمائة دينار ، فكنا نعجب من بعد همته وسمو نفسه وبلغ ذلك المتنبي ، فلم
__________________
(١) كتب فوقها بالاصل : الربع ، وليست القصيدة في ديوان المتنبي المطبوع.
(٢) تاريخ بغداد : ٩ / ١٩٤.