فشغلني يا أمير المؤمنين الكف والمعصم عن رائحة القدور فبقيت باهتا ساعة ثم أدركني ذهني ، فقلت للخياط : هو ممن يشرب النبيذ؟ قال : نعم وأحسب عنده اليوم دعوة ، وليس ينادم إلا تجارا مثله مستورين فإني لكذلك إذا قبل رجلان نبيلان راكبان من رأس الدرب ، قال الخياط : هؤلاء منادموه ، فقلت ما أسماؤهما (٧ ـ و) وما كناهما؟ فقال : فلان وفلان ، وأخبرني بكناهما ، فحركت دابتي وداخلتهما ، وقلت جعلت فداكما قد استبطأ كما أبو فلان أعزه الله ، وسايرتهما حتى أتينا الى الباب ، فأجلّاني وقدماني فدخلت ، ودخلا فلما رآني معهما صاحب المنزل لم يشك أني منهما بسبيل أو قادم قدمت عليهما من موضع ، فرحب وأجلسني في أفضل موضع ، فجيء يا أمير المؤمنين بمائدة ، وعليها خبز نظيف وأتينا بتلك الألوان فكان طعمها أطيب من ريحها ، فقلت في نفسي هذه الالوان قد أكلتها ، بقيت الكف أصل الى صاحبتها ، ثم رفع الطعام وجيء بالوضوء ، ثم صرنا إلى منزل المنادمة فإذا أشكل منزل يا أمير المؤمنين ، وجعل صاحب المنزل يلاطفني ويقبل علي بالحديث وجعلوا لا يشكون أن ذلك منه لي عن معرفة متقدمة ، وإنما ذلك الفعل كان منه لما ظن أني منهما بسبيل حتى إذا شربنا أقداحا خرجت علينا جارية يا أمير المؤمنين كأنها غصن بان يتثنى ، فأقبلت تمشي فسلمت غير خجلة ، وثنيت لها وسادة فجلست وأتي بعود فوضع في حجرها فجسته فاستبنت في جسها حذقها ثم اندفعت تغني :
توهمهما طرفي فأصبح خدها |
|
وفيه مكان الوهم من نظري أثر |
فصافحها قلبي فآلم كفها |
|
فمن مئتن قلبي في أناملها عفر |
فهيجت يا أمير المؤمنين بلابلي فطربت لحسن شعرها وحذقها ثم اندفعت تغني :
أشرت إليها هل عرفت مودتي |
|
فردت بطرف العين إني على العهد |
(٧ ـ ظ)
فحدت عن الإظهار عمدا لسرها |
|
وحادت عن الإظهار أيضا على عمد |