فصحت : السلاح يا أمير المؤمنين وجاءني من الطرب مالم أملك نفسي ، ثم اندفعت تغني الصوت الثالث :
أليس عجيبا أن بيتا يضمني |
|
واياك لا نخلو ولا نتكلم |
سوى أعين تشكو الهوى بجفونها |
|
وتقطيع أنفاس على الناي تضرم |
إشارة أفواه وغمز حواجب |
|
وتكسير أجفان وكف تسلم |
فحسدتها يا أمير المؤمنين على حذقها واصابتها معنى الشعر أنها لم تخرج من الفن الذي ابتدأت فيه فقلت : بقي عليك يا جارية ، فضربت بعودها الارض وقالت : متى كنتم تحضرون مجلسكم البغضاء؟ فندمت على ما كان مني ورأيت القوم كأنهم قد يغيروا لي ، فقلت : ليس ثم عود؟ قالوا : بلى والله يا سيدنا ، فأتيت بعود وأصلحت من شأني ما أردت ثم اندفعت أغني :
ما للمنازل لا تجيب حزينا |
|
أصممن أم قدم المدى فبلينا |
روحوا العشية روحة مذكورة |
|
إن متن متن وإن حيين حيينا |
فما استتممت يا أمر المؤمنين حتى خرجت الجارية فأكبت على رجلي فقبلتهما وتقول : معذرة يا سيدي والله ما سمعت من يغني هذا الصوت مثلك أحدا ، وقام مولاها وجميع من كان حاضرا فصنعوا كصنيعها ، وطرب القوم واستحثوا الشراب فشربوا بالكاسات والطاسات ، ثم اندفعت أغني (٨ ـ و) :
أفي الله أن تمسين لا تذكرينني |
|
وقد سحمت (١) عيناي من ذكرك الدما |
الى الله أشكو بخلها وسماحتى |
|
إذا عسل مني وتبدل علقما |
فردي مصاب القلب أنت قتلته |
|
ولا تتركيه ذاهب القلب مضرما |
الى الله أشكو أنها أجنبية |
|
وأني بها ما عشت بالود مغرما |
فجاءنا من طرب القوم يا أمير المؤمنين شيء خشيت أن يخرجوا من عقولهم فأمسكت ساعة حتى هدأوا مما كانوا فيه من الطرب ، ثم اندفعوا في الشرب بالصراحيات صرفا على ذلك الطرب فاندفعت أغني الصوت الثالث.
__________________
(١) السحم : الدم تغمس فيه أيدي المتحالفين. القاموس.