هذا محبك مطوى على كمده |
|
حري مدامعه تجري على جسده |
له يد تسأل الرحمن راحة |
|
مما به ويد أخرى على كبده |
يا من رأى أسفا مستهترا أسفا |
|
كانت منيته في عينه ويده |
فجعلت الجارية تصيح : هذا والله الغناء يا سيدي ، وسكر القوم وخرجوا من عقولهم ، وكان صاحب المنزل جيد الشرب ، حسن المعرفة ، فأمر غلمانه مع غلمانهم بحفظهم وصرفهم الى منازلهم ، وخلوت معه فشربنا أقداحا ثم قال لي : يا سيدي ذهب ما كان من أيامي ضائعا إذ كنت لا أعرفك ، فمن أنت يا مولاي؟ فلم يزل يلج علي حتى أخبرته ، فقام يقبل رأسي وقال : يا سيدي وأنا أعجب يكون هذا الادب الا من مثلك واذا إني مع الخلافة وأنا لا أشعر ، ثم سائلني عن قصتي وكيف حملت نفسي على ما فعلت ، فأخبرته خبر الطعام ، وخبر الكف والمعصم ، فقلت : أما الطعام فقد نلت منه حاجتي ، فقال : والكف والمعصم ، ثم قال : يا فلانة ، لجارية له ، قولي لفلانة تنزل فجعل (٨ ـ ظ) ينزل لي واحدة واحدة فأنظر الى كفها ومعصمها ، فأقول : ليس هي ، قال : والله ما بقي غير أختي وأمي والله لانزلهما إليك ، فعجبت من كرمه وسعة صدره ، فقلت : جعلت فداك إبدأ باختك قبل الامام فعسى أن تكون هي ، فقال : صدقت فنزلت فلما رأيت كفها ومعصمها قلت : هي ذه ، فأمر غلمانه فصاروا الى عشرة مشايخ من جلة جيرانه في ذلك الوقت ، فأحضروا ، ثم أمر ببدرتين فيهما عشرون ألف درهم ، وقال للمشايخ : هذه أختي فلانه أشهدكم أني قد زوجتها من سيدي ابراهيم بن المهدي وأمهرتها عنه عشرة آلاف درهم ، فرضيت وقبلت النكاح ودفع إليها البدرة ، وفرق البدرة الاخرى على المشايخ ، ثم قال لهم : اعذروا فهذا ما حضر على الحال ، فقبضوها ، ونهضوا ، ثم قال يا سيدي أمهد لك بعض البيوت تنام مع أهلك فأحشمني والله ما رأيت من سعة صدره ، وكرم خيمه (١) ، فقلت : بل أحضر عمارية وأحملها الى منزلي ، فقال ما شئت ، فأحضرت عمارية فحملتها ، وصرت بها الى منزلي فوحقك يا أمير المؤمنين لقد حمل إليّ جهازها ما ضاقت به بعض بيوتنا ، فاولدتها هذا القائم على رأس سيدي أمير المؤمنين ، فعجب المأمون من كرم ذلك الرجل وسعة صدره وقال : لله أبوه ما سمعت مثله قط ، ثم أطلق الرجل الطفيلي
__________________
(١) الخيم : السجية والطبيعة. القاموس.