جدار الحجر ، على خط استواء يشق وسط الصحن المذكور ، أربعون شبرا. وسعته من المدخل إلى المدخل ست عشرة خطوة ، وهي ثمانية وأربعون شبرا. ودور الجدار رخام كله مجزّع بديع الإلصاق ... وهناك قضبان صفر مذهبة ، وضع منها في صفحه ، أشكال شطرنجية متداخلة بعضها على بعض وصفات محاريب ، فإذا ضربت الشمس فيها لاح لها بصيص ولألاء يخيل للناظر إليها أنها ذهب يرتمي بالأبصار شعاعه. وفي ارتفاع جدار هذا الحجر الرخامي خمسة أشبار ونصف ، وسعته أربعة أشبار ونصف.
وداخل الحجر بلاط واسع ينعطف عليه الحجر كأنه ثلثا دائرة ، وهو مفروش بالرخام المجزّع المقطع في دور الكف إلى دور الدينار ما فوق ذلك ، ثم الصق بانتظام بديع وتأليف معجز الصنعة غريب الإتقان رائق الترصيع والتجزيع رائع التركيب والرصف ، يبصر الناظر فيه من التعاريج والتقاطيع والخواتم والأشكال الشطرنجية وسواها على اختلاف أنواعها وصفاتها ما يقيد بصره حسنا ، فكأنه يجليه في أزهار مفروشة مختلفات الألوان إلى محاريب قد انعطف عليها الرخام انعطاف القسي ، وداخلها هذه الأشكال الموصوفة والصنائع المذكورة. وبازائها رخامتان متصلتان بجدار الحجر المقابل للميزاب ، أحدث الصانع فيهما من التوريق الرقيق والتشجير والتقضيب ، ما لا يحدثه الصنع باليدين في الكاغد قطعا بالجلمين (١). فمرآهما عجيب ، أمر بصنعتهما على هذه الصفة إمام المشرق أبو العباس أحمد الناصر بن المستضيء بالله ، أبي محمد الحسن بن المستنجد بالله ، أبي المظفر يوسف العباسي ، رضي الله عنه.
ويقابل الميزاب في وسط الحجر ، وفي نصف جداره الرخامي ، رخامة قد نقشت أبدع نقش ، وحفت بها طرة منقوشة نقشا مكحلا عجيبا ، فيه مكتوب : مما أمر بعمله عبد الله وخليفته ، أبو العباس أحمد الناصر لدين الله ، أمير المؤمنين ، وذلك في سنة ست وسبعين وخمسمائة. والميزاب في أعلى الصفح الذي يلي الحجر المذكور ، وهو من صفر (٢) مذهب ، قد خرج الحجر بمقدار أربعة أذرع ، وسعته مقدار شبر. وهذا الموضع تحت الميزاب هو أيضا مظنة استجابة الدعوة بفضل الله تعالى ، وكذلك الركن اليماني ويسعى
__________________
(١) الجلمان (مثنى جلم) : المقص.
(٢) الصفر : النحاس.