المقدمة
هذه أول رحلة حج أندلسية ، ولعلها أهم الرحلات التي يمم أصحابها شطر الديار المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة. رحلة تمتاز بمكانتها في المكتبة العربية ، ومن النادر أن نجد ما يماثلها أو يدانيها قيمة تاريخية وجغرافية ودينية ، سواء بما اشتملت عليه من إيمان روحي عميق ودقة علمية بالغة ورصد تأملي واسع ، أو بالنظر إلى أهمية المرحلة التاريخية التي شهد صاحب الرحلة وقائع منها ، وهي عهد صلاح الدين الأيوبي ومقاومة الغزو الفرنجي. هذا ، فضلا عن أسلوبها البلاغي الجميل ونسيجها الأدبي الممتع.
إنها يوميات عالم ثاقب البصيرة ، واسع الأفق ، شديد الملاحظة ، تتجلى أهميتها في التفاصيل الدقيقة التي يتأمل ابن جبير ملامحها باهتمام ويتحدث عنها باستفاضة من مدن وأرياف وموانئ ومناسك وآثار مقدسة ومعالم عمرانية ، فضلا عن الدروس البليغة المؤثرة التي لا يستغني عنها أي مسلم ينوي التوجه إلى الحجاز لأداء فريضة الحج أو العمرة ، دون أن نهمل المزايا التاريخية التي حفلت بذكرها.
دقة علمية
الرحالة أديب مرموق في زمنه ، وهو يمعن النظر والفكر والمقارنة ، ويقدر المسافة