ويجري القياس أحيانا ، في كل ما يتعلق بالأماكن الإسلامية المقدسة وما جاورها أو اقترن بها من مساجد وزوايا وأضرحة ومرافق خدمات ومواقع غزو وصلح ، ولا يغفل عن ذكر ما جرى في تلك المواقع من أحداث هامة أخرى كحفر الآبار وإنشاء سبل الماء وترميم معالمها العمرانية.
وتكشف لنا رحلته هذه مدى اهتمامه بالتفاصيل ، على اختلاف موضوعاتها ، كالتواريخ اليومية وظهور الأهلة ورصد وتسجيل كل ما يمر به أو يراه من ملامح الأرض وتشكيلاتها وطرقها والمسافات التي قطعها وأحوال الجو وأنواء البحر ، وجرأته في السؤال عما لا يعرف ، وملاحظاته الناقدة لسوء تصرفات العاملين الموكلين بإدارة شؤون الناس ، واستنكاره لانحرافهم عن الصراط المستقيم ، ولا ينسى أن يركز على ما أنجز صلاح الدين من مدارس ومستشفيات ومساجد وحمامات وغير ذلك من المرافق الحضارية العامة. ويشيد ابن جبير برعاية السلطان للمغاربة والغرباء ، فضلا عن حياته الجهادية المظفرة ضد الفرنجة وتحرير البلاد منهم.
إن ابن جبير يبين لنا ، بغير قصد ولا ادعاء ، مكانته الرائدة في كتابة المذكرات اليومية. ولا نملك إلا الإعجاب بهذا الرحالة الرائد وتقدير جهوده الميمونة حق قدرها ، ونحن نراه منكبا على تسجيل دقائق يومياته في الحل والترحال ، عبر البر والبحر ، في حالات السكينة والأمان وفي أوقات العواصف والأهوال ، غير عابئ بالمصاعب والأخطار التي تواجه الكاتب وتحول دون مواصلة عمله بطريقة ميسورة. إنه يؤكد بذلك أن الكاتب الصادق فارس قضية وحامل رسالة ، وهو لا يبتغي من وراء ذلك أجرا ولا منّة.
اهتمام بالتفاصيل
وسوف يرى القارئ شغف الرحالة بوصف الطرق والمدن وما تضم في حناياها من معالم ومساجد وآثار وأضرحة وأولياء ، دون أن يغفل متابعته الوصفية والنقدية لسلوك الناس وأولي الأمر منهم بوجه خاص. وهو لا ينسى أن يدعم مواقفه وآراءه