بشواهد مستفيضة بما يحفظ من القرآن الكريم والسيرة النبوية المشرفة. إنه رجل قوي الإيمان شديد التقوى ، يولي المواقع التاريخية والآثار المقدسة عناية خاصة ويتبرك بزيارتها ، معبرا بذلك عن نفس حرة كريمة عامرة بالصلاح والتواضع والسيرة العطرة.
يكفي هنا أن نشير إلى ما ذكر من تفاصيل في مناسك الحج والمسجد الحرام في مكة المكرمة وزيارته لمدينة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومسجده المبارك هناك. ولا بد أن نتابعه خطوة خطوة ونعيش بصحبته كل دقيقة ، وهو يمضي بنا في أرجاء تلك العتبات والأماكن المقدسة. ولا ينسى أن يعرج بنا إلى أضرحة الشهداء والأولياء والصالحين الأوائل الذين احتضنتهم تلك التربة المطهرة لنتأمل أعمالهم الصالحة ، ونستعيد ذكرياتهم وموافقهم المجيدة وهم يحملون مشاعل الخير والحق والعدالة للبشرية جمعاء ، ويخرجون بأجيال الأمة من الظلمات إلى النور وراء الرسول الأعظم ، الرائد المطهر الذي لا يكذب أهله ، صلوات الله وسلامه عليه. إن صدق الحب والإيمان والتقوى لا بد أن ينتقل إلى نفس القارئ الكريم ، ليشارك هذا الرجل الورع الحليم في كل كلمة طيبة ومع كل التفاتة راضية.
والكاتب ينعى على المسلمين في المشرق العربي ما حل بهم من خلاف وانحراف عن الصراط المستقيم ، وربما بدا منحازا إلى مذهب دون غيره أو منددا بمذهب آخر لا ينسجم مع عقيدته ، إنما لا ينبغي أن ننسى أنه عاش في عصر الحملات الصليبية التي كانت تقتضي موقفا جماعيا موحدا من أجل التصدي لأعداء الأمة الطامعين. وكان صلاح الدين الأيوبي ممثلا لذلك الموقف الجهادي الموحد وقائدا له. ولعل هذا الإخلاص الوجداني العميق هو الذي جعل ابن جبير متشددا إلى حد التعصب الصارم الذي لا يقبل المداهنة أو المداراة. إن كلمة الحق التي تشغل بال المؤمن الصادق لا بد من إعلانها بلا تردد ولا مجاملة ، ولا سيما حين يتكاثر عدد المنافقين ويغدو المتمسك بعقيدته كالقابض على الجمر. وليس لنا أن ننسى أن ديار الإسلام كانت محط أطماع غربية ، وهي تواجه هجمات عدوانية ضارية لا يمكن السكوت عنها أو التعامل معها بتسامح بارد واستسلام ذليل.