تركها الشيال في يدي بأن أسلمها أهلها فصعب علي شراء الفول وكذا القيام بها إذ شغلني أمرها أتم شغل بل تشوش خاطري غاية فلم أجد مسلكا من ذلك فكلما أمشي إلى الظلام وأرباب الدولة إلا ظننت انه ذهب ديني بل قال لي العارف بالله سيدي محمد الشريف الأخ المذكور لما ذهب مرة معي في شأن ذلك وأصابه من الجلوس بين يدي الملك ما أصابني فقال لي سلم في هذا الأمر وأتركه لله فأخذ ذلك الكلام بمجامع قلبي فكنت أسأل الله الخلاص منهم ولو بالموت أي موتهم نعم قلبي متعلق بذلك الرجل إلا أنه استولت هيبته وجلالته علي فلم استطع كلامه وأنا أسير وهو يسير معي ملاصقا ركبتي أظنها اليسرى فلما تمكن منه قلبي وملأت عيني من نظره من غير نطق مني إجلالا وتعظيما له علما مني أنه أحد أصحاب الوقت إذ يعلوه نور ونحن كذلك فإذا هو دفع لي مسواقا رقيقا يساق به مثل البغلة لراكبها كأنه عود الأراك أو من الريحان فلم أميزه لما فيه من اليبس فلما وصل إلى يدي شممت منه رائحة المسك بل أقوى رائحة وتلك الرائحة لا نظير لها كافورا أو عنبرا أو زبدا أو مسكا فهو أي ذلك العود يعبق شذاؤه وبلغت تلك الرائحة جميع جسدي فذاقها الجميع مني ذوقا معتبرا وعند مده ذلك العود فارقني بان قال لي خذ هذا ففهمت أن الله فرج عني إذ منذ دخلت مكة وأنا في كرب إلى الوقت الذي لقيني فيه ذلك الرجل الكامل فزال عني كل ذلك ببركته فعلمت أنه ما جاء (١) إلا إغاثة لي ثم أني أخذت ذلك العود في يدي مستحسنا لتلك الرائحة ومتعجبا منها ومنتظرا الخلاص من تلك الجمال فاستصحبته معي إلى أن نزلنا الينبع وأقمنا به ونزلنا قرب العين في عافية وسلامة فوجدنا كل خير في سوقه مع رخاء الأسعار والحمد لله.
وبعد ذلك اليوم بعت تلك الجمال دينا إلى أن وصلنا إلى مصر فسرني بيعها لأنها
__________________
(١) في نسخة فعلمت أن الله ما جاء به.