أخذت الناس في الرحيل والتأهب للسفر فصلينا الظهر وعند ذلك ظعنا منه على أتم حال وأبركه فتقدم المصري وتأخر المغربي من حيث هو فانفصل الجميع عن المنزلة نعم تخلفنا آخر الركب حسبما عادتي أنا وسيدي أحمد الطيب وسيدي محمد الشريف الطرابلسي صونا للذي يتأخر من ضعفاء الحجاج ممن ليس له مركوب كالدراوشة فربما يقع لهم الضعف فيكون جميعنا في عونه فسرنا آخر الركب رويدا رويدا إلى أن صلينا المغرب ثم كذلك إلى أن صلينا العشاء ثم كذلك إلى أن سرنا سويعة بعدها فاخبرونا بموت أن القاضي المذكور فاجتمعنا لتجهيزه ليلا وهي مقمرة فنزل الركب ذلك الوقت فحفرنا له وكفناه وصلينا عليه أي جميع من كان من الفضلاء في الركب وعلمنا قبره وهو بين تلك المرحلة ومنزلة الينبع وأصابنا بموته مصيبة عظيمة لم أنسها إلى الآن لأن ظننا أن يرجع إلى بيته سالما ينتفع به العامة والخاصة غير أنه لما تاب وقبلت توبته مات بمرض البطن فهو شهيد وفي طريق الحج وانه غريب فكل واحد من هذه الثلاثة تقتضي الشهادة لأن الشهداء غير شهداء القتل معدودون وقد حصر عدهم الشيخ اليوسي في حاشيته على كبرى السنوسي ولقد أجاد في ذلك وما ظننت أحدا أنه ذكرهم كذلك فأنظره وكذا الشيخ إبراهيم الشبراخيتي في الجنائز في شرحه لمختصر خليل ثم ارتحلنا آخر الليل وظعنا من ذلك المحل وتبعنا المصري وعند صلاة الصبح أشرفنا على الغيضة الملتفة بشجر أم غيلان القريبة من الينبع فإذا أنا في التغليس بعد صلاة الصبح جماعة وما فاتتني ركعة والله اعلم في جماعة منذ خروجنا من بلادنا إلى أن رجعنا إلى بيوتنا وذلك مع الفضلاء في أكثر الأوقات والحمد لله وإذا برجل أتاني على رجليه زي الأعراب غير انه ليس عليه آثار السفر تشم منه رائحة الولاية فلما دنا مني أصابني منه الرعب والفزع ومع ذلك أسير مع أصحابي الفضلاء الذين أسير معهم على العادة المألوفة والحالة أني مشتغل في ذلك الوقت بالوظائف والأذكار الواردة بعد صلاة الصبح نعم أخذتني شبه سنة وأنا راكب على بغلتي متفكر في أمر الجمال التي