دخولنا مكة المشرفة
زادها الله تشريفا وتعظيما وتكريما
فدخلنا مكة فلم تغادر في النفس ترحة ، وأزالت عن الجفون كل فرحة ، فدخلناها في زحمة عظيمة كادت النفوس أن تزهق غير أن سرورها بالوصول إليها خفف بعض الألم بل قد زال التعب والنصب كأن النفوس في وليمة عظيمة لا يعلمها وما فيها من الفرح إلا من منحه الله بل الأرواح قد تجلى عليها ربها فخرت صعقة مغشية عليها فغيبها عن الأكوان كلها بمشاهدة مكونها ومن جملة من غابت عنه هذا الغيب فلم تكترث بما أصابها من الهم والمشقة فلما هب نسيم جوار الحبيب عليها أيقظها وأشهدها رسوم مكان الوصال ، ودلائل الحضرة وسواطع الانتقال ، فعلمت بيت الرب ، وتعلق به الجبح واللب ، سدل كل حبيبت سوى هذا الحبيب وراءه ، فأقام كاس الجوار وأداره (١) ، وصار شذاؤها انتظاره ، فهبطنا منحدرين إلى أن وصلنا قرب البيت فدخلنا المسجد من باب بني شيبة ، فأفاض الله علينا من جوده كرامة وهيبة (٢) ، فظفرنا بالأمن والأمان والسلام من باب السلام.
ثم أقول كما قال شيخنا سيدي أحمد بن ناصر ما نصه فشاهدنا البيت العتيق الذي تزيح أنواره كل ظلام وقد تدلت أستاره ، وأشرقت أنواره ، وقد شمر البرقع عن أسافله ، حتى لا يكاد الطائف يناله بأنامله ، يفعلون به ذلك من أول تقدم الوفود ، ولا يطلقون أستاره حتى تعود.
قال الإمام أبو سالم وقد قلت في هذا المعنى ، وأبديت فيه تشبيها غريب المبنى :
__________________
(١) في نسخة وقضى كل حبيب أوطاره وأقام كأس المحبة وأداره.
(٢) في نسختين بإسقاط كرامة وهيبة وفي أخرى من جوده وفضله وكماله.