والذي يعنينا من البحث أن اليهود قطنوا في يثرب مع الأوس والخزرج ، ولا نعلم المدة التي اشتركوا فيها حكم يثرب منفردين أو مجتمعين ، ولكن من المعلوم فيما بعد أن الرسول صلىاللهعليهوسلم أجلاهم عن يثرب بعد سلسلة من المؤامرات والدسائس ضد المسلمين (١).
أما صلة الرسول صلىاللهعليهوسلم بيثرب فيمكن أن نحددها بدءا من تاريخ بيعة العقبة الأولى ، حيث عرض الرسول صلىاللهعليهوسلم نفسه في الموسم عند العقبة ، على نفر من الخزرج ، ونسوق الحديث :
قال لهم : من أنتم؟ قالوا : نفر من الخزرج ، قال : أمن موالي يهود؟ قالوا : نعم ، قال : أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا : بلى .. فدعاهم إلى الله عزوجل ، وعرض عليهم الاسلام وتلا عليهم القرآن. قال : وكان مما صنع الله بهم في الاسلام ، أن يهود كانوا معهم في بلادهم وكانوا أهل كتاب وعلم ، وكانوا هم أهل شرك ، وأصحاب أوثان ، وكانوا قد غزوهم ببلادهم ، فكانوا إذا كان بينهم شيء ، قالوا لهم : إنّ نبينا مبعوث الآن ، قد أطلّ زمانه ، نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ، فلما كلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أولئك النفر ، ودعاهم إلى الله ، قال بعضهم لبعض : يا قوم ، تعلموا والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود ، فلا تسبقنّكم إليه. فأجابوه فيما دعاهم إليه ، بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الاسلام ، وقالوا : إنا قد تركنا قومنا ، ولا قوم بينهم في العداوة والشر ما بينهم ، فعسى أن يجمعهم الله بك ، فسنقدم عليه ، فندعوهم إلى أمرك ، وتعرض عليهم الذي أجبناك إليه في هذا الدين ، فإن يجمعهم الله عليه فلا رجل أعزّ منك.
ثم انصرفوا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم راجعين إلى بلادهم ، وقد آمنوا وصدقوا.
فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ودعوهم إلى الاسلام حتى فشا فيهم ، فلم يبق دار من دور الأنصار إلّا وفيها ذكر من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان نص البيعة : لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه بمعروف. فإن وفيتم فلكم الجنة ، وإن غشيتم من ذلك شيئا ، فأمركم إلى الله عزوجل إن شاء عذب ، وإن شاء غفر.
__________________
أنساب العرب ص ٣٢٢ ، العقد الفريد ج ٣ ص ٣٦ ، ١٥٩ ، ط اللجنة ، السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٣٤٧ ، دائرة المعارف الاسلامية ج ٣ ص ١٥٠ ، المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ج ٤ ص ١٢٨ وما بعدها ، المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٤١ وما بعدها ، تاريخ قريش د. حسين مؤنس ص ٣٩٩ وما بعدها.
(١) انظر تفصيل ذلك عند الواقدي ج ٢ ص ٤٤١ بالاضافة إلى المصادر السابقة.