وحين مر بها ياقوت فيما بعد ، دهش إذ لم يجد فيها شيئا مما قرأه عند ابن حوقل ، فلم يسعه إلا أن يقول : «كذا كانت في أيامه» واضطربت نفسه بحثا عن السبب فيما أصابها .. إلى أن وجده فقال : «فمنذ أن عمّر ابن عميرة جزيرة قيس ، صارت فرضة الهند ، وإليها منقلب التجار ، خربت سيراف وغيرها. ولقد رأيتها ، وليس بها قوم إلا صعاليك ، ما أوجب لهم المقام إلا حب الوطن» (١).
ثم يمر بها في حديثه ثانية ، فيعرّفها بعبارة هادئة ، يستمدها من واقعها القائم بعيدا عن التأثر والانفعال فيقول : «سيراف ، بليد على ساحل البحر من أرض فارس ، رأيته أنا وبه أثر عمارة قديمة ، وجامع حسن ، إلا أنه الآن خراب» (٢).
ونعود إلى تعليله السالف لخرابها فنقول : إنه ـ على وجاهته ـ غير كاف ليجعل من المدينة الصخرية العامرة خرابا .. قد يصح أن يخلق جلتها ويذهب بروائها وبهجتها ، أما أن يخرب بنيانها فأمر يحتاج إلى مزيد من البحث ..
ويأتينا الجواب قائلا : «سيراف بلد على الخليج ، خربتها الزلازل سنة ٩٧٧ م» (٣) أي ٣٦٧ ه. ثم نجد رديفا لهذا الخبر في أمثالهم : «ولا كزلازل سيراف» (٤).
وهكذا يتبين ـ والمنطقة كما يبدو لم تألف الزلازل ـ أن زلزالا مدمرا لم يسمع بمثله قد اختارها فقوض عامرها بعيد منتصف القرن الهجري الرابع ، فباتت به مضرب الأمثال.
__________________
(١) معجم البلدان ٣ / ٢١٢
(٢) معجم البلدان ٨ / ١٤٥
(٣) المنجد ـ فردينان توتال (سيرجان) ٢٧٦
(٤) معجم البلدان ٣ / ٦٣١