والشاهد (١) في البيت أنه نصب (إخوان) العزاء ب (هيوج). وإخوان العزاء : الذين / قد تعزّوا عن الدنيا وملاذّها ، وعزفت نفوسهم عنها (٢) ، فإذا رأوا هذه المرأة ذهب عزاؤهم عن الدنيا وأحبّوا مواصلتها.
[حذف عامل المنصوب لدلالة بعض الكلام عليه]
٦ ـ قال سيبويه (١ / ١٤٣) بعد ذكره في الباب (٣) أشياء من المنصوبات قد حذفت عواملها ، لدلالة بعض الكلام عليها : «انته يا فلان أمرا قاصدا. كأنك قلت : انته وائت أمرا قاصدا». ثم قال : «فحذف هذا كحذفهم : ما رأيت كاليوم رجلا. ومثل ذلك قول القطاميّ (٤)» (٥).
كأنّ نسوع رحلي حين ضمّت |
|
حوالب غرّزا ومعى جياعا |
على وحشيّة خذلت خلوج |
|
وكان لها طلا طفل فضاعا |
__________________
(١) ورد الشاهد عند : النحاس ٣٠ / أوشرح الكتاب للسيرافي (خ) ١ / ٥٥٥ والأعلم ١ / ٥٦ والكوفي ٧ / ب وابن عقيل ش ٣٧ ، ٢ / ٦٣ والعيني ٣ / ٥٣٦ والأشموني ٢ / ٣٤٢ وقال الأعلم : «أعمل هيوج لأنه تكثير هائج ، وعمل فيه مؤخرا كعمله فيه مقدما لقوته وجريه مجرى الفعل». وكان ورد عند سيبويه (١ / ٥٧) قولهم في الاختيار : أما العسل فأنا شرّاب.
(٢) ذكر النحاس شرحا طريفا لهذا المعنى فقال : إنها تهيّج من تعزى عنها حين يطرب إليها. قلت : ويبعد الصواب عن هذا الشرح أن هذا الراهب لا عهد له بها من قبل بدليل استعمال لو وتنكير راهب. وفي اللسان (أخا) ١٨ / ٢١ جعل إخوان العزاء : الذين يصبرون فلا يجزعون ولا يخشعون. وبقي أبو سعيد السيرافي أنفذهم بصرا في فهم مرامي الأداء إذ قال في شرحه «فإذا كانت تهيج ذوي البصائر والصبر ، فهي لغيرهم أهيج».
(٣) وعنوانه لديه : «هذا باب يحذف منه الفعل لكثرته في كلامهم حتى صار بمنزلة المثل». الكتاب ١ / ١٤١
(٤) اسمه عمير بن شييم بن عمرو ، أبو سعيد التغلبي ، من الطبقة الثانية في الإسلاميين عند ابن سلام : (ت نحو ١٣٠ ه). انظر : الشعر والشعراء ٢ / ٧٢٣ ، والمؤتلف (تر ٥٥١) ص ١٦٦ ومعجم الشعراء ص ٢٢٨ و ٢٤٤ وجمهرة الأنساب ص ٣٠٥ وفي القاموس المحيط (قطم) ٤ / ١٦٦ وفيه : القطاميّ ـ بفتح القاف ويضم ـ بمعنى الصقر.
(٥) وعبارة سيبويه «إنما اردت ..» بدل «كأنك قلت».