الإسحاقي ، ولزم التخلق بالخير من التلاوة والقراءة في الجوف رياسة وغيرها ، وحضور مجالس العلم مع التواضع ولين الجانب ، بل كان يقرأ في شرح القدوري على الفخر عثمان الطرابلسي ، ويجتمع عنده علماء الحنفية وغيرهم ، ولما كنت بالمدينة أخذ عني شيئا من الكتب الستة وغيرها كشرح معاني الآثار للطحاوي ، وحصل القول البديع والرمي بالنشاب وغيرهما من تأليفي ، وكتبت له إجازة حافلة أودعتها التاريخ الكبير وصار يحج منها كل سنة حتى مات بها في عصر يوم الأحد ، سادس عشر ذي الحجة سنة تسعين وثمانمائة ، ونعم الرجل رحمهالله وإيانا.
٣٤٦٦ ـ قايتباي الجركسي المحمودي الأشرفي : ثم الظاهري ، ملك الديار المصرية ، ممن كان له عناية بالحرمين الشريفين ومشاعرهما ، سيما المدينة النبوية ، فإنه أنشأ بها مدرسة بهية عند باب السلام ، وما حمدت شبابيبها المطلبة على المسجد ولكن العمدة على المفتين وقررتها صوفية وأقرأه بخاري وغير ذلك وفيها رباط وحلاوي للفقراء ، وخزانة كتب وسبيل ومكتب للأيتام وغير ذلك ، بل بنى في سنة ست وسبعين بمشارفة الشمس بن الزبير ما احتاج إليه سقوف المسجد ، وما اقتضاه رأيهم من الأساطين والمنارة السنجارية ، وغير ذلك مما اتفق فيها ، وفي سنة إحدى وثمانين ، ثم احترق ذلك كله في جملة حريق المسجد ، فأعيد وجدد منبره ومحرابه ، والحجرة والمحراب العثماني ، والمنارة الرئيسية عودا على بدء ، وجدد حماما وطاحونا وفرنا وربعا ووكالة ومطبخا للدشيشة وأشياءا ، بل رتب بها لأهل السنة من أهلها والواردين عليها ، من كبير وصغير وغني وفقير ورضيع وفطيم وخادم وخديم ، ما يكفيه من البر والدشيشة والخبز ما شكر بسببه وحبس على ذلك أماكن وجهات يتحصل منها من الحب نحو سبعة آلاف أردب وخمسمائة ، تحمل كل سنة إلا ما يقع التقصير فيه من المباشر له ، وكان مصروف العمارة بالمسجد والمدرسة وتوابعهما نقدا وأتمار آلاف وبهائم ، وغير ذلك مائة وعشرون ألف دينار فأزيد فيما قيل ، وسد الطابق الذي كان بين الحجرة الشريفة والجدار القبلي ، وينشأ عنه مفاسد. (شاهدت بعضها أول حجاتي) ورتب لمن كان يتولى فتحه في الموسم ونحوها على الذخيرة خمسة عشر دينارا حتى تشكى ، وكذا أبطل كثيرا من المكوس التي كانت لأمراء المدينة ونحوهم ، وعوضهم عنها ، بل حج في طائفة قليلة سنة أربع وثمانين تأسيا لمن قبله من الملوك ، كالظاهر بيبرس والناصر محمد بن قلاوون ، وتكرر لثانيهما وذلك سنة عشر ، ثم سنة عشرين ، ثم سنة اثنتين وثلاثين ، كلها من القرن الثامن ، وبدأ بالزيارة النبوية ، وكان قدومه لها فجر يوم الجمعة ثاني عشرين ذي القعدة منها على هيئة الهيبة والخضوع ، بحيث ترجل عند باب سورها عن فرسه ومشى على قدميه ، وامتنع من دخول الحجرة الشريفة تأدبا ، ثم صلّى الصبح