بالحفاظ على هذا الكتاب تأريخياً ، وهذا التأريخ المشترك يمثل مظهراً اجتماعياً مركزياً متلازماً ، فالتقصير في جانب يطبع أثره على الجانب الآخر ، وقد مرت اللغة العربية بظروف وبيئات مختلفة ، خضعت معها إلى عوامل اللهجات المتباينة ، وأمتزجت بها ثقافة اللغة الأخرى ، وتطور من مفرداتها ما تطور ، وبقي ما بقي ، وهذه عوامل كان من الممكن أن تخضع اللغة معها إلى كثير من التبدل والتغيير ، وأن تتعرض مفرداتها للنسخ أو التجوز ، ومع هذا فقد بقيت هذه اللغة سليمة لم تتأثر بعوامل الانحطاط والضعف ، ولم تتلكأ مسيرتها التأريخية بوهن أو خور ، وسبب هذا البقاء والسيرورة يرجع إلى بيان القرآن ، والدفاع عن القرآن ، وصيانة لغة القرآن ، ففي الوقت الذي تتجاوز فيه هذه اللغة موطنها الأصلي ، ويمتد سلطانها إلى أرجاء فسيحة من العالم فإنها تبقى متميزة بمناخ الصحراء لهجة ، وبطابع البداوة مصدراً ، لأنها اللغة الرسمية للقرآن ، وهو لا يتهاون في قدسية لغته ، ولا يجد عنها منصرفاً ، فارتبط وجودها بوجوده ، وإستمرار رقيّها بإستمراره ، ولم يداهمها الفناء أو الاضمحلال أو التقلب ، في حين تنطوي به الأمم ولغاتها ، وتتلاشى الشعوب وتراثها ، بينما تطوي العربية أمدها الطويل سليمة متناسقة تتسنم مدارج الخلود ، وتناطح هجمات الدهر ، ولما كان القرآن الكريم معجزة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم الخالدة ، وهو مرقوم بهذه اللغة الشريفة ، فالخلود ملازم لهما رغم عادية الزمن ، وهذا أمر يدعو إلى الاطمئنان على سلامة اللغة ، وأصالة منبتها ، وهنا يتجلى أثر تيسير القرآن وفهمه بيانياً بالكشف عن الأسرار ، فهو يشد إليه الباحث شداً ، دون عسر أو عناء ، وبكل يسر وسماح.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.