والاهتمام بها ، وإذا كنا لسنا في موضع عرض لمراحل حركة التدوين التاريخي في الشام يكفي أن نذكر أن هذه الحركة وصلت الذروة على يدي ابن عساكر حين كتب تاريخ دمشق ، ثم ابن العديم حين كتب «بغية الطلب في تاريخ حلب» إنما يلاحظ هنا بأن هذين الكتابين العملاقين قد صنفا حسب نمط كتب التراجم ، وما جاء في بدايتي كل منهما من عرض تاريخي حسب الوقائع والحوليات ، شمل أخبار فتوح الشام ليس إلا ، وتميز ابن العديم عن ابن عساكر بأنه صنف كتابا مفردا أوقفه على العرض التاريخي الإخباري لمدينة حلب ، وهو كتاب «زبدة الحلب من تاريخ حلب» ولم يفعل ابن عساكر هذا ، لطبيعة منهجه وثقافته ، فهو إمام بالحديث في الدرجة الأولى ، ولذلك جاء كتابه الذي صنفه لدمشق مهتما بطبقات المحدثين والعلماء ، وموليا قليل الاهتمام لمن سواهم ، وخاصة رجال السلطة.
إن هذه الثغرة بالنسبة لدمشق قد جرى تداركها من قبل ثلاثة أجيال من المؤرخين : اثنان من العراق ، وثالثهما وهو المهم من دمشق الشام ، وأول هؤلاء المؤرخين هو ثابت بن سنان ، الذي كان واحدا من أفراد آل الصابىء ، الأسرة التي اشتهرت بالطب فنبغ منها عدد من الأطباء خدموا الخلفاء العباسيين ورجال دولتهم ، ويذكر بعض من ترجم لثابت بأنه كان مختصا بخدمة الخليفة الراضي [٣٢٢ ـ ٣٢٩ ه / ٩٣٤ ـ ٩٤٠ م] وأنه كان بارعا بالطب ، تولى تدبير المارستان في بغداد ، وخدم عددا من الخلفاء بعد الراضي ، وذكر بعضهم أيضا أن ثابتا قد توفي في سنة ٣٦٣ ه / ٩٧٣ ـ ٩٧٤ م ، وهذا وهم أصح منه أن وفاته كانت سنة ٣٦٥ ه / ٩٧٥ ـ ٩٧٦ م ، وهذا ما تثبته قطعة مخطوطة فيها اختصار لما ورد في تاريخه عن أخبار القرامطة ، سوف أعود إليها بعد قليل ، ويضاف إلى هذه المخطوطة ما نقله ياقوت عن حفيد ثابت بن هلال بن المحسّن بن إبراهيم الصابىء ، وكان ثابت بن سنان مثله مثل