وخططها ، وهنا يقتضي أن ننوه أن هذه مزية تفرد بها ابن القانسي إلى أبعد الحدود.
صحيح أن الكتاب أوقفه صاحبه بالأصل على دمشق لكنه يولي مع دمشق اهتماماته ببقية أجزاء الشام ، ثم بقية أجزاء الوطن العربي كله والعالم الإسلامي ، فمواده عن كل من الخلافتين الفاطمية والعباسية لها مكانة خالصة ، بل أكثر من هذا نجده يتقصى أخبار المغرب الأقصى ويقدم لنا رواية ذات مكانة خاصة حول المهدي ابن تومرت وتأسيس دولة الموحدين.
وعلى مكانة مواد ابن القلانسي حول العصر الفاطمي ، فإن الذي يفوقها أهمية هو ما رواه حول دخول الشام تحت السلطان السلجوقي ، ثم أحداث الحروب الصليبية زمن الحملتين الأولى والثانية ، وهي أحداث عاصرها وكان شاهد عيان لها ، ولأهمية هذه الروايات تمت ترجمتها إلى كل من الإنكليزية والفرنسية.
وابن القلانسي مؤرخ ثقة يمكن الاعتماد على رواياته ، وقد أوضح منهجه في كتابه بقوله : «قد انتهيت من شرح ما شرحته من هذا التاريخ ، ورتبته وتحفظت من الخطأ والخطل والزلل فيما علقته من أفواه الثقات ، ونقلته وأكدت الحال فيه بالاستقصاء والبحث ، إلى أن صححته إلى هذه السنة المباركة ، وهي سنة أربعين وخمسمائة ، وكنت قد منيت منذ سنة خمس وثلاثين وخمسمائة وإلى هذه الغاية بما شغل الخاطر عن الاستقصاء عما يجب إثباته في هذا الكتاب ، من الحوادث المتجدده في الأعمال ، والبحث عن الصحيح منها في جميع الأحوال ، فتركت بين كل سنتين من السنين بياضا في الأوراق ، ليثبت فيه ما يعرف صحته من الأخبار ، وتعلم حقيقته من الحوادث والآثار ، وأهملت فيما ذكرته من أحوال سلاطين الزمان فيما تقدم ، وفي هذا الأوان ، باستيفاء ذكر نعوتهم المقررة ، وألقابهم المحررة ، تجنبا لتكريرها بأسرها ، والإطالة بذكرها ، ولم تجر