فاحترقت ، وهي أول نار طرحت في البلد وزحفت الرعية وأصحاب ظالم إلى المغاربة وضايقوهم مضايقة ألجؤوهم إلى الصعود فوق مسجد ابراهيم ، وكان ذلك منهم جهلا واغترارا وكان في الطريق الأعلى نحو البيمارستان العتيق (١) شرذمة قليلة فحملوا على الأحداث وأصحاب ظالم فانهزموا من المرج إلى خلف المرمى ، وتبعتهم المغاربة ، فلما علم ظالم هزيمتهم خرج من دار الإمارة حتى وقف عند الجسر المعقود على بردى ، وأمر بغلق باب الحديد (٢) ، ورتب قوما من أصحابه على جسر باناس لئلا ينهزم الناس ، فلما شاهد انهزام الناس والمغاربة في إثرهم ضرب بيده على فخذه ، ثم استدعى رمحه ، وعبر الجسر ومعه فرقة من أصحابه ، وحمل على أوائل المغاربة فردهم عن أحداث البلد ، وصاح الناس في الميدان «النفير» ، فانهزم ظالم وأصحابه وجاءت المغاربة نحو الفراديس ، ودخلوا الدروب ، وملكوا السطوح وطرحوا النار في الفراديس (٣) ، وكان هناك من البيان الرفيع الغاية في الحسن والبهاء ما لم ير مثله ، وهو أحسن مكان كان بظاهر دمشق ، وامتدت النار مشرقة حتى بلغت مسجد القاضي (٤) فأتت على دور لبني حذيفة وأخذت النار قلة ، فأتلفت ما كان بين الفاخورة وحمام قاسم وكنيسة مريوحنا (٥) وحين انهزم الناس وتكامل العسكر في المرج والميدان ، وارتفع صياح المغاربة ، وانهزم من على السطح من الرماة والنظارة ، وامتدوا إلى القنوات ودخلوا باب الحديد ، وانتشروا ، فلما عرفوا انهزام
__________________
(١) كان تحت المنارة الغربية للمسجد الأموي ، تاريخ دمشق لابن عساكر ط.
دمشق ١٩٥٤ : ٢ / ١٥٨.
(٢) في موقع قلعة دمشق حاليا ، سمي بذلك لأنه كان كله حديد. تاريخ دمشق : ٢ / ١٨٦.
(٣) محلة من محال دمشق ، كان لها باب خاص نسب إليها ، حيث منطقة العمارة حاليا. تاريخ دمشق : ٢ / ١٨٦. منادمة الأطلال لعبد القادر بدران ط. دمشق ١٣٧٩ : ٤٢.
(٤) انظر الأعلاق الخطيرة لابن شداد ، قسم دمشق ، ط. دمشق ١٩٥٦ : ١٥٧.
(٥) تحدث ابن عساكر عن بناء الجامع الأموي من قبل الوليد بن عبد الملك ، وهدم كنيسة مر يوحنا فقال : «وأعطاهم ـ النصارى ـ الوليد مكان الكنيسة التي في المسجد ، الكنيسة التي تعرف بحمام القاسم بحذاء دار أم البنين في الفراديس». تاريخ دمشق : ٢ / ٢٠.