ثلاثة نفر ، فجاء أهل القتلى وحملوهم وطرحوهم في الجامع (١) فكثر الناس عليهم وبالغوا في المقال والانكار لأجلهم ، وغلقت الأسواق ، ومشى الناس بعضهم إلى بعض ، ونفرت قلوبهم ، واستوحشوا وخافوا.
فلما كان يوم الاثنين السابع عشر من ذي القعدة من السنة سمع صبي يصيح على بعد : النفير النفير إلى قينية (٢) ، إلى اللؤلؤة ، فقال قائل : كان بالأمس آخر النهار قوم من المغاربة ومن البادية في جنينة في القنوات (٣) فقتلت المغاربة من البادية ابن عم لورد بن زياد ، وقد وقع بينهم حرب وقد ثارت الفتنة بباب الجابية (٤) فخرج رجل من العسكرية يقال له نفاث ابن عم لأبي محمود ، فظهر القوم من غد في طلب الرجل ، وكان مسكنه في ناحية قينية ، فأقبلوا يريدون بيته ، وانتشرت خيلهم ورجالتهم في أرض قينية إلى لؤلؤة والقنوات إلى باب الجابية وباب الحديد (٥) ، فظفروا بالقصارين عند باب الحديد ، فأخذوا ما كان معهم من الثياب ، فصاح الناس : «النفير» ، ولبسوا السلاح ، وخرج أصحاب ظالم مع الرعية ، وزحفت المغاربة حتى بلغوا قريبا من سور البلد وليس في مقابلتهم من يذودهم ويدافعهم ، فنفر إليهم أهل البلد من (٨ ظ) كل ناحية ونشب القتال ، ونكا النشاب في المغاربة أعظم نكاية ، وقصدوا الباب الصغير وامتد الناس خلف المغاربة وصعدوا على طاحون الأشعريين يرمونهم بالحجارة ، وطرحوا النار فيها
__________________
(١) من المرجح المراد به «الجامع الأموي».
(٢) كانت مقابل الباب الصغير : الأعلاق الخطيرة ، قسم دمشق ط. دمشق ، ١٩٥٦ ص : ١٥٢.
(٣) من أشهر مناطق مدينة دمشق ما تزال تحمل هذا الاسم.
(٤) معروف مكانه في دمشق على مقربة من القنوات ما يزال يحمل هذا الاسم ، منه كان الانطلاق إلى الجابية ، أشهر مناطق تجمع القبائل العربية في جنوب الشام ، والجابية الآن على مقربة من بلدة نوى في حوران ، ولم أهتد إلى معرفة ورد بن زياد هذا. انظر تاريخ دمشق لابن عساكر : ٢ / ١٨٧.
(٥) ذكره ابن عساكر في تاريخه : ٢ / ١٨٦ بقوله : «هو الآن خاص بالقلعة التي أحدثت غربي البلد».