أشراف البلد يريدون الوصول إلى القائد ، فأذن لهم فلما حضروا لديه ، وسلموا عليه ، أحسن الرد عليهم ، وبش بهم وقال : ما حالكم وما الذي جاء بكم؟ فشكوا إليه أحوالهم ، والإضرار بهم ، والمضايقة لهم ، وخضعوا وذلوا له ولطفوا به ، فقال : ما نزلت في هذا المكان لقتالكم ، وإنما نزلت لأرد هؤلاء الكلاب المفسدين عنكم ـ يعني أصحابه ـ وما أوثر قتال رعية ، فشكروا ودعوا له وأثنوا عليه ، وانصرفوا عنه مستبشرين بما سمعوه منه ، وجاؤوا إلى خيمته واختلطوا بأصحابه وقد خف الخوف والوجل عنهم ، ودخلت المغاربة البلد لقضاء حوائجهم ، وعاد القائد أبو محمود في عسكره إلى الدكة منزله.
وولى الشرطة لرجلين يقال لهما حمزة المغربي والآخر يقال له ابن كشمرد من الاخشيدية ، فدخلا في جمع كثير من الخيل والرجالة فطافا في البلد بالملاهي والزفن ، وجلسا في مجلس الشرطة ، وطاف في الليل جماعة من الرجال بالعدد والسلاح ممن يرد الفساد وإثارة الفتن ، ووجد الطائف الدروب قد ضيقت ، فشكا ذلك إلى القائد أبو محمود فشق هذا الأمر عليه وضاق له صدره ، فلما كان في بعض الليالي اجتاز الطائف في ناحية المحاملين على جسر المصلى (١) ، يريد باب الصغير في جمع وافر ، ووصل إلى سوق (٢) الغنم ، فوجد درب سوق الغنم مسدودا ، فعظم ذلك عليه ، وغضب لأجله ، وعاد إلى ورائه منكفئا حتى دخل من ناحية البطاطين (٣) فشكا إلى أبي محمود ، فقال : إن القوم على ما هم عليه من العصيان والخلاف ، وكثرت الأقوال في مجلسه ولم يكن صاحب رأي سديد ولا تدبير حميد ولا حسن سياسة ، واستدعى مشايخ البلد
__________________
(١) المصلى قبلي دمشق من خارج محلة الميدان ، ولم أجد عند ابن عساكر وابن شداد ذكر لجسر المصلى فأحدد مكانه. أنظر منادمة الأطلال : ٣٨٩.
(٢) يستدل من الأعلاق الخطيرة ـ قسم دمشق : ١٣٤ ، أن هذا السوق كان على مقربة من باب الصغير.
(٣) لم أقف على ذكر لهذه الناحية.