وسار ابن الشمشقيق (١) إلى دمشق لمشاهدتها فلما وصل إليها ونزل بظاهرها استحسن ما رآه من سوادها ، وتقدم إلى أصحابه بكف الأذية عن أهلها ، وترك الإعتراض لشيء من عملها ، ودخل ألفتكين والشيوخ إلى البلد لتقسيط القطيعة وجمعها ، وتحصيل الملاطفات التي يخدم مثله بمثلها ، وحملوا إليه ما جاز حمله ، وحصل المال المقرر له في بدره ، وخرج ألفتكين إليه لمعاودة خدمته فوجده راكبا والطرسوسيون يتطاردون بالرماح بين يديه ، فلما شاهد ابن الشمشقيق موكبه تقدم إلى ابن الزيات بتلقيه ، وقد كانت الحال تأكدت بين ألفتكين وابن الزيات فتلقاه ووصاه بالتذلل له والزيادة في التعظيم له ، والتقرب إليه وأعلمه أن ذلك ينفق عليه ، ففعل ألفتكين ما أشار به ، وترجل له هو وأصحابه ، وابن الزيات ، عند قربهم منه ، وقبلوا الأرض مرارا ، فسر الملك بذلك وأمرهم بالركوب ، فركبوا وأسند إلى ألفتكين ، وسأله عن حاله فأجابه جوابا استرجعه حجة فيه ، وكان الملك فارسا يحب الفرسان ، فلعب ألفتكين وابن الزيات بين يديه لعبا استحسنه منه ، وشاهد من فروسية ألفتكين ما أعجبه ، فتقدم إليه بالزيادة في اللعب والتفرد به ففعل ، والتفت الملك إلى ابن الزيات فأثنى على ألفتكين ، وقال : هذا غلام نجيب وقد أعجبني
__________________
(١) قاد هذا الامبراطور أول جيش بيزنطي توغل في أعماق بلاد الشام منذ الفتح الاسلامي ، وقد تحدث في رسالة بعث بها إلى أشوت الثالث ملك أرمينية عن أهداف حملته فبين أنها أهداف صليبية بحتة ، ذلك أنه أراد احتلال القدس أو حسب تعبيره أراد تحريرها من المسلمين ، لكن كما قال : «لولا وجود المسلمين المغاربة الذين يعيشون هناك ولولا اعتصامهم في القلاع الساحلية لدخلنا بيت المقدس وصلينا للرب في الأماكن المقدسة». هذا وتحدث يحيى بن سعيد الأنطاكي عن حملة الامبراطور البيزنطي ووصوله إلى دمشق فذكر أنه «قاطع أهلها على ستين ألف دينار يحملونها إليه في كل عام ، وكتب عليهم بذلك كتابا وأخذ خطوط الأشراف ، وأخذ جماعة منهم رهينة ، واستدعى خروج ألفتكين إليه فخرج في أربعة غلمان فأكرمه الملك ، وضرب له مضربا مفردا وأفطر عنده في تلك الليلة فخلع عليه الملك ووهب له ما أخذ به خطوط أهل دمشق من المال وأطلق أيضا الرهائن ، وحمله على فرس بسرج ولجام». انظر تاريخ يحيى بن سعيد الأنطاكي ط. بيروت : ١٩٠٩ ص : ١٤٥ ـ ١٤٦.
تاريخ الامبراطورية البيزنطية (بالانكليزية) تأليف أ. أ. فازلييف ـ كندا ١٩٥٢ :
١ / ٣٠٩ ـ ٣١٠.