ما شاهدته منه في حسن أفعاله وجميع أحواله ، فأعلم ابن الزيات ألفتكين ، فترجل وقبل الأرض وشكره ودعا له ، فأمره بالركوب وقال لابن الزيات : عرفه أن ملكي (١) قد وهب له الخراج وترك طلبه منه ، فأعاد ألفتكين الترجل والشكر (١٣ ظ) والدعاء ، وعاد الملك إلى بلاطه وألفتكين معه أثناء مسيره يلعب ويرى بالزوبين (٢) ، والملك شديد التوفر عليه ، حتى إذا نزل أحضره وخلع عليه ، وحمله على شهري ، واستهداه الملك الفرس الذي كان تحته ، والسلاح الذي عليه الرمح ، فعاد وأضاف إليه عشرين فرسا بتجافيفها وعدة رماح وشيئا كثيرا من أصناف الثياب والطيب والتحف التي يتحف بها مثله ، فشكره الملك على هذا الفعل ، وقبل الفرس وآلته ، ورد ما سوى ذلك وكافأه على الهدية بأثواب ديباج كثيرة ، وصياغات وشهاريّ وبغلات.
وسار على طريق الساحل فنزل على صيدا ، وخرج إليه أبو الفتح بن الشيخ ، وكان رجلا جليل القدر ، ومعه شيوخ البلد ، ولقوه وقرروا معه أمرهم على مال أعطوه إياه هدية حملوها إليه ، وانصرف عنهم على سلم وموادعة ، وانتقل إلى ثغر بيروت فامتنع أهله عليه ، فقاتلهم وافتتح الثغر عنوة ونهبه وسبى السبي الكثير منه ، وتوجه إلى جبيل فاعتصم أهلها عليه ، وجرى أمرها مجرى بيروت ، ونزل على طرابلس فأقام تقدير أربعين يوما يقاتل أهلها ويقاتلونه ، فبينما هو على ذلك إذ دس إليه خال بسيل وقسطنطين سما فاعتل منه ، ورحل إلى أنطاكية فطالب أهلها بتسليمها فلم يجيبوا إلى ذلك ، وقطع ما كان في بساتينها من شجر التين وهو يجري هناك مجرى النخل في البصرة ، وحفزه
__________________
(١) أي ملك ابن الزيات الامبراطور نفسه صاحب الخطاب حسب الطريقة البيزنطية في الرسوم ، أو لعل الامبراطور لم يرد نفسه ، ذلك أنه حكم باسم ولدي الامبراطور رومانوس الثالث وهما باسيل الثاني وقسطنطين الثامن ، انظر كتاب أوربا في العصور الوسطى لسعيد عبد الفتاح عاشور. ط. القاهرة ١٩٦٦ ج ٢ ص : ٤٢٢ ـ ٤٢٦.
(٢) حربة ذات رأسين ، باللغة الفارسية.