وقد خرج الأمر عن يدي ، ثم حمل على الميسرة فكسرها وقتل كثيرا ممن كان فيها ، وشاهد العزيز ما جرى ، وكان في القلب فراسل الميمنة بالحملة وحمل هو والمظلة على رأسه ، فانهزم ألفتكين والقرمطي ووضع السيف في عسكريهما ، فقتل منه نحو عشرين ألف رجل ومضى الحسن القرمطي هاربا على وجهه ، وعاد العزيز إلى معسكره ، ونزل في مضاربه ، وجلس الأسرى بحضرته ، والعرب تجيئه بمن يقع في أيديها من أصحاب ألفتكين ، والخلع تخرج إليهم مقابلة عن ذلك ، وقد بذل لمن يجيئه بألفتكين مائة ألف دينار ، وكان ألفتكين يميل إلى المفرج بن غفل ابن الجراح ويتمرده لأنه كان وضيء الوجه صبيحه ، وشاع ذلك عنه فيه واتفق أن انهزم ، فطلب ساحل البحر ومعه ثلاثة من غلمانه رفقائه وبه جراح ، وقد كده العطش فلقيته سرية من الخيل فيها المفرج فلما رآه التمس ماء فأعطاه إياه وقال له : احملني إلى أهلك ، ففعل حتى إذا وصل إلى قرية تعرف بلبنى (١) أنزله فيها وأحضره ماء وفاكهة ، ووكل به جماعة من أصحابه ، وبادر إلى العزيز فتوثق منه في المال الذي بذله في ألفتكين ، ثم عرفه حصوله في يده ، وأخذ جوهرا ومضى فسلمه إليه ، وورد المبشرون إلى العزيز بحصوله ، فتقدم بضرب نوبة من مضاربه وفرشها ، وإعداد ما يحتاج إلى إعداده من الآلات (١٧ و) للاستعمال فيها ، وإحضار كل من حصل في الأسر منسوبا إليه فأحضر ، وأومنوا وكسوا ، ورتبوا في أشغالهم المنسوبة إليهم في خدمته ، ووصل ألفتكين وقد خرج العسكر لاستقباله ، وهو غير شاك في أنه مقتول ، فأمر العزيز أن يعدل به إلى النوبة المضروبة ، وكانت قريبا من مضاربه وبين يديه مختار الصقلبي صاحب الصقر في جماعة من الخدم والصقالبة يمنعون الناس منه ، ويحولون بينه وبينهم ، فلما رأى القواد والصقالبة والمغاربة باب سرادق العزيز ترجلوا عن دوابهم وقبلوا الأرض ، ففعل ألفتكين
__________________
(١) ذكرها ياقوت في معجمه فقال : قرية بفلسطين فيها قبض على ألفتكين المعزي وحمل إلى العزيز.