فأمر العزيز بإخراج الأموال ووضع العطاء في الرجال ، وبرز بروزا كليا واستصحب الخزائن والذخائر وتوابيت آبائه على عادة القوم في ذلك ، وسار جوهر على مقدمته ، ووردت الأخبار على ألفتكين والحسن القرمطي بما جرى ، فعادا إلى الرملة ، وجمعا العرب وأنفقا واحتشدا وتأهبا واستعدا ، وورد العزيز في العساكر ، ونزل في الموضع المعروف بقصر ابن السرح بظاهر الرملة وألفتكين والقرمطي على قرب منه في الموضع المعروف ببركة الخيزران ، وبات العسكران على إعداد للحرب ، وباكراها وقد اصطف كل منهما ميمنة وقلبا وميسرة ، وجال ألفتكين بين الصفين يكر ويحمل ويطعن ويضرب ، فقال العزيز لجوهر : أرني ألفتكين : فأشار إليه وقيل أنه كان في ذلك اليوم على فرس أدهم بتجافيف من مرايا ، وعليه كذاغند أصفر ، وهو يطعن تارة بالرمح ويضرب أخرى بالسيف والناس يتحامون ويتقونه ، فأعجب العزيز ما رأى منه ومن هيئته ، وعلى رأسه المظلة ووقف وأنفذ إليه ركابيا يختص بخدمته يقال له نميرة وقال له : قل : يا ألفتكين أنا العزيز وقد أزعجتني عن سرير ملكي ، وأخرجتني لمباشرة الحرب بنفسي وأنا مسامحك بجميع ذلك ، وصافح لك عنه ، فاترك ما أنت عليه ولذ بالعفو (١٦ ظ) مني فلك عهد الله وميثاقه أني أومنك وأصطفيك وأنوه باسمك ، وأجعلك إسفهسلار (١) عسكري ، وأهب لك الشام بأسره وأتركه في يدك ، فمضى نميرة الركابي إليه وأعاد الرسالة عليه ، فخرج بحيث يراه الناس ، وترجل وقبل الأرض مرارا ، ومرغ خديه عليها معفرا ، وقال له : قل لأمير المؤمنين لو تقدم هذا القول منك لسارعت إليه وأطعت أمرك ، فأما الآن فليس إلا ما ترى ، وعاد نميرة وقال ذلك للعزيز ، فقال له : ارجع إليه وقل له يقرب مني ، ويكون بحيث أراه ويراني ، فإن استحققت أن يضرب السيف في وجهي فليفعل ، فمضى نميرة وقال له ذلك ، فقال : ما كنت الذي أشاهد طلعة أمير المؤمنين وأنابذه بالحرب ،
__________________
(١) فارسية تعني القائد العام.