وقد دعوتك إلى الصلح والموادعة والدخول في السلم والطاعة ، وبذلت لك كل اقتراح ، وإرادة واحسان وولاية فأبيت إلا القبول ممن يشب نار الفتنة وستر عنك وجه النصيحة ، فراقب الله تعالى ، وراجع نفسك وغلب رأيك على هوى غيرك ، فقال له ألفتكين : أنا والله واثق بك وبصحة الرأي والمشورة منك ، لكنني غير متمكن مما تدعوني إليه ولا يرضى القرمطي بدخوله فيه معي ، فقال له : إذا كان الرأي والأمر على ذلك فإني أصدقك على أمري تعويلا على الأمانة وما أجده من الفتوة عندك فقد ضاق الأمر وامتنع الصبر وأريد أن تمن عليّ بنفسي وبهؤلاء المسلمين الذين معي وعندي ، وتذم لي لأمضي وأعود إلى صاحبي شاكرا ، وتكون قد جمعت بين حقن الدماء ، واصطناع المعروف ، وعقدت عليّ وعلى صاحبي منّة تحسن الأحدوثة عنك فيها ، وربما أملت المقابلة لك عنها ، فقال له ألفتكين : أفعل وأمن على أن أعلق سيفي ورمح الحسن بن أحمد على باب عسقلان وتخرج أنت وأصحابك من تحتهما ، فرضي جوهر بذلك وتعاهدا وتصافحا عليه ، وأخذ ختم ألفتكين رهنا على الوفاء به وافترقا ، وعاد ألفتكين إلى عسكره وجوهر إلى البلد ، وأنفذ جوهر إلى ألفتكين ألطافا كثيرة ومالا فقبل ذلك منه وكافأه عليه ، وأنفذ ألفتكين إلى القرمطي يعرفه ما جرى بينه وبين جوهر ، (١٦ و) فركب الحسن إليه وقال له : لقد أخطأت فيما فعلته وبذلته ، وجوهر هذا ذو رأي وحزم ودعاء ومكر وقد استقلك بما عقده معك ، وسيرجع إلى صاحبه ويحمله على قصدنا ، ثم لا يكون لنا به طاقة فيأخذنا ، ومن الصواب أن ترجع عن ذلك حتى يهلك هو وأصحابه جوعا وتأخذهم بالسيف ، فقال له ألفتكين : قد عاهدته وحلفت له وما استجيز الغدر به ، وعلقا السيف والرمح وخرج جوهر وأصحابه تحتهما ، ووصل إلى مصر ودخل على العزيز بالله وشرح له الحال واستفحال أمره ومن معه ، فقال له : ما الرأي؟ قال : إن كنت تريدهم فاخرج بنفسك إليهم وإلا فإنهم واردون على أثري.