الحسن متوجها إليه في عسكره ، وعرف جوهر خبره ، فعلم أنه متى حصل بين عدوين ربما تم عليه مكروه منهما ، فرجع إلى طبرية ، ووصل الحسن بن أحمد إلى ألفتكين ، واجتمعا وتحالفا ، وتعاقدا وسار في إثر جوهر ، فاندفع منهما إلى الرملة ، وأقام بها ، وأنفذ رحلة وأثقاله إلى عسقلان ، وكتب إلى العزيز يعرفه بصورة الحال ويستأذنه في قصد عسقلان إن دعته إلى ذلك الضرورة ، ووافى ألفتكين والحسن بن أحمد القرمطي ونزلا على الرملة ، ونازلا جوهرا وقاتلاه ، واجتمع إليهما من رجال الشام وعربهما تقدير خمسين ألف فارس وراجل ، ونزلوا بنهر الطواحين (١) على ثلاثة فراسخ من البلد ولا ماء لأهله إلا منه ، فقطعاه عنهم ، واحتاج جوهر وعسكره إلى الماء المجتمع من المطر في الصهاريج وغناء له قليل ، ومادته إلى نفاد ، ورأى جوهر أنه لا قدرة له على المقام ومقاومة القوم ، فرحل إلى عسقلان في أول الليل ، ووصل إليها في آخره ، وتبعه ألفتكين والقرمطي إليها ، ونزلا عليها وحاصراه فيها ، وضاقت الميرة به ، وغلت الأسعار عنده ، وكان الوقت شتاء لم يمكن حمل الأقوات إليه في البحر ، واشتدت الحال حتى أكلت المغاربة وأهل البلد الدواب الميتة ، وابتاعوا الخبز إذا وجدوه (١٥ ظ) حساب كل خمسة أرطال بالشامي بدينار معزي ، وكان جوهر شجاعا مبارزا ، وربما خرج وتقدم وإذا وجد فرصة من ألفتكين دعاه إلى الطاعة وبذل له البذول المرغبة فيسترجعه ألفتكين ويسترجله ويهم أن يقبل منه ويجيبه ، ثم يثنيه عنه الحسن بن أحمد وابن الخمار الكاتب ، ويمنعناه ويخوفانه ويحذرانه ، وزاد الضيق والشدة على المغاربة ، وتصور جوهر العطب إن لم يعمل الحيلة في الخلاص ، فراسل ألفتكين سرا وسأله القرب منه والاجتماع معه ، ففعل ذلك ألفتكين ووقفا على فرسيهما فقال له جوهر : قد علمت ما يجمعني وإياك من حرمة الاسلام وحرمة الدين ، وهذه فتنة قد طالت وأريقت فيها الدماء ، ونحن المأخوذون بها عند الله تعالى ،
__________________
(١) نهر الرملة كانت عنده طواحين كثيرة ـ معجم البلدان.