وسياستنا على أن [لا] نمكنك من تركنا ومفارقتنا أو نألوك جهدا من نفوسنا ومساعدتنا ونفوسنا دونك ، وبين يديك في المدافعة عنك ، وجددوا له التوثقة على الطاعة والمناصحة.
وفصل جوهر في العسكر الكثيف (١) من مصر بعد أن استصحب أمانا من العزيز بالله لألفتكين ، وخاتما ودستا من ثيابه وكتابا إليه بالعفو عنه ، وعما فرط منه ، فلما حصل بالرملة كاتب ألفتكين بالرفق والملاطفة ، وأن يبلغ له ما يريد وأعلمه ما قرره له مع العزيز بالله ، وأخذه أمانه المؤكد والتشريف الفاخر ، وأشار عليه في أثناء ذلك بترك إثارة الفتنة وأن يطلب صلاح الحال من جهته وأقرب طرقه ، فلما وصل الكتاب إليه ووقف عليه ، أجابه عنه بالجميل من (١٥ و) الجواب ، والمرضي من الخطاب ، والشكر على ما بذله له من نفسه ، وغالطه في المقال واحتج عليه بأهل دمشق فيما يصرف رأيه وتدبيره عليه ، وكان كاتب ألفتكين المعروف بابن الخمار ، وهو يرى غير رأي المغاربة ، ويزري عنده على اعتقادهم ، ويقرر في نفسه وجوب قتالهم ، ووقف جوهر على كتابه فعلم أنه مصرّ على الحرب ، فسار إليه حتى إذا قرب منه ، ووصل إلى دمشق نزل في العسكر بالشماسية ، وبرز إليه ألفتكين في أصحابه ومن حشده من العرب وغيرهم ، ونشبت الحرب بين الفريقين ، واتصلت مدة شهرين ، وقتل فيها عدد كثير من الطائفتين ، وظهر من شجاعة ألفتكين والغلمان الذين معه ما عظموا به في النفوس ، وتحصلت لهم الهيبة القوية في القلوب ، وأشار عليه أهل دمشق بمكاتبة أبي محمد الحسن بن أحمد القرمطي (٢) ، واستدعائه للاجتماع به على دفع المغاربة ، ففعل وسار
__________________
(١) ذكر المقريزي في كتابه المقفي في ترجمة جوهر الصقلبي : «وسار من القاهرة في عسكر لم يخرج إلى الشام قبله مثله ، بلغت عدتهم عشرين ألفا». انظر كتابي مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية ص : ٢٤٢.
(٢) الحسن الأعصم زعيم قرامطة الأحساء انظره في كتابي أخبار القرامطة : ٦٨ ، ٧٣ ، ٣٦٣ ـ ٣٨٣ ، ٣٩٣ ، ٤٠٢ ـ ٤٠٥.