وفيها اشتهر أن الملك المعز صاحب مصر قد عزم على أن يتزوج ابنة بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل ، وأنه قد تردد بينهما الرسائل في ذلك ، وبلغ زوجته شجر الدر ، وكانت جارية الملك الصالح نجم الدين أيوب وأم ولده خليل ، فعظم ذلك عليها ، وعزمت على الفتك به ، وإقامة غيره في الملك ، فطلبت صفي الدين إبراهيم بن مرزوق ، وكان مقيما بالديار المصرية ، وله تقدم في الدول ، ووجاهة عند الملوك فاستشارته في ذلك ، ووعدته أن يكون الوزير الحاكم في الدولة ، فأنكر عليها ذلك ونهاها عنه ، فلم تصغ إلى قوله ، وطلبت مملوكها الطواشي محسن الجوجري الصالحي وعرفته ما عزمت عليه ، ووعدته الوعد الجميل إن قتله ، واستدعت جماعة من الخدام الصالحية وأطلعتهم على هذا الأمر ، واتفقت معهم عليه ، فلما كان يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الأول ، لعب الملك المعز بالكرة في ميدان اللوق إلى آخر النهار ، ثم صعد إلى قلعة الجبل والأمراء في خدمته ، ووزيره شرف الدين الفائزي ، والقاضي بدر الدين السنجاري ، فلما دخل القلعة وفارقه الموكب ، وصار إلى داره أتى إلى حمام الدار ليغتسل فيه ، فلما خلع ثيابه وثب عليه سنجر مملوك الجوجري والخدام فرموه إلى الأرض ، وخنقوه ، وطلبت شجر الدر الصفي بن مرزوق على لسان الملك المعز ، فركب حماره وبادر ، وكانت عادته يركب الحمار في الموكب السلطاني وغيره ، مع عظم مكانته وكثرة أمواله ، ودخل القلعة من باب سر فتح له ، وأدخل الدار فرأى شجر الدر جالسة والملك المعز بين يديها ميتا ، فأخبرته الخبر ، فعظم عليه وخاف خوفا شديدا ، واستشارته فيما تفعل ، فقال : ما أعرف ما أقول ، وقد وقعت في أمر عظيم ، مالك منه مخلص ، وكان الأمير جمال الدين إيدغدي العزيزي معتقلا في بعض الآدر مكرما ، فأحضرته في تلك الليلة وطلبت منه أن يقوم بالأمر ، فامتنع وسيرت في تلك الليلة اصبع الملك المعز ، وخاتمه إلى الأمير عز الدين الحلبي الكبير ، وطلبت منه أن يقوم بالأمر ، فلم يجسر على ذلك ، وانطوت الأخبار عن الناس تلك