ثم معاملة الملك الصالح نجم الدين بعد أن تملك بما كان يعامله به وهو عنده معتقل بقلعة الكرك إلى أن حصل من الوحشة والمباينة بينهما ما آل به إلى انتزاع بلاده منه ، ثم لما توجه إلى حلب واستنابته لولده المعظم دون إخوته مع تميزهم عليه حتى أوغر صدورهم ، فكان ذلك من أسباب خروج الكرك عنه ، ثم لما توجه إلى حلب ترك بالكرك اسحاق المقدم ذكره مع إفراط ميله إليه ، ومحبته له ، فلو استصحبه لأمن مما ترتب على تركه من السبب الموجب لأخذ الكرك ، وحصول الوحشة والمنافرة بينه وبين ولده الملك الأمجد ، وكان يتسلى برؤيته وخفف عنه من أثقال همومه ، ثم إيداع تلك الجواهر النفيسة عند الخليفة فآل الأمر إلى كثرة تعبه ، ونصبه وتبذله وسفره ، ولم تعد إليه إلى غير ذلك من الأمور التي فارق فيها الحزم ، وذلك تقدير العزيز العليم ، وكان الملك الناصر داود رحمهالله معتنيا بالكتب النفيسة ، حصل منها جملة كثيرة ذهبت بعد وفاته ، وكان يجيز الشعراء بالجوائز السنية قدم عليه شرف الدين راجح الحلي شاعر الملك الظاهر غازي ابن السلطان صلاح الدين رحمهالله ، ومدحه بعدة قصائد ، فوصل إليه منه ما يزيد على أربعين ألف درهم وأجازه على قصيدة واحدة امتدحه بها ، وهو بنابلس بألف دينار مصرية ، والقصيدة من غرر القصائد ...
وانقطع إليه الشيخ شمس الدين عبد الحميد الخسرو شاهي تلميذ فخر الدين الرازي ، فوصل إليه منه أموال جمة ، وكذلك كل من انتمى إليه استفاد من ماله ومن علمه فكانوا معه كما قيل : فأخذ من ماله ومن أدبه ...
... وكتب إلى الملك المنصور إبراهيم صاحب حمص يستدعيه إلى مجلس أنس ، وذلك لما كانا نازلين ببيسان ، حين كانا متفقين على حرب الملك الصالح نجم الدين ، وهما إذ ذاك معاضدان للملك الصالح عماد الدين وذلك في يوم العيد في زمن الربيع ...