في نكد وتعب ونصب ، لم يصف له من عمره سنة واحدة ، وقد أشرنا إلى ذلك فيما تقدم ، ولم يكن له رأي حازم في تدبير المملكة ، فإنه مع تقدير الله تعالى لما مات والده لو دارى الملك الكامل ، ونزل له عن بعض البلاد كان أبقى عليه دمشق ، ثم لما طلبه الملك الأشرف ليزوجه ابنته ، ويجعله ولي عهده على ما ذكرنا ، لو أجابه وحضر إليه لاستقل بعد الملك الأشرف بالشام ، والتفت عليه المماليك الأشرفية مع المعظمية ، وكان قد دنا أجل الملك الكامل فاستقام أمره ، ثم لما مات الملك الكامل لو قبل من رأي الأمير عز الدين أيبك صاحب صرخد ، وأنفق في المعظمية واستمالهم ، لملك دمشق ، ولم يلتفت على من بالقلعة ، ثم لما ضرب المصاف مع الجواد لو أحرز خزائنه وأمواله ببعض قلاعه لبقيت له ، وكانت عظيمة جليلة المقدار يمكنه أن يستخدم بها من العساكر جملة كثيرة ، ثم لما حصل الملك الصالح نجم الدين في قبضته لو أراد به أخذ الشام لأخذه وسلمه لأخيه العادل ، أو إلى عمه الصالح إسماعيل ، ثم لما اعتقله لم يحسن عشرته من كل وجه ، وكان يبدو منه في بعض الأوقات أمور أثرت في قلب الملك الصالح نجم الدين ، ولم يحرج منه ، وكان للملك الصالح باطن ، والملك الناصر سليم الصدر ، ثم اقتضى رأيه اطلاقه ومساعدته على تملك الديار المصرية ، واشترط عليه أمورا لا يمكنه القيام بها ، ولا تسمح بها نفس بشر لو أمكنت ، واستحلفه على ذلك فلما تحقق الملك الصالح نجم الدين أنه لا بد له من الحنث ضرورة في البعض ، حنث في المجموع.
قال الملك الصالح : حلفني على أمور لا يقدر عليها ملوك الأرض منها أنني آخذ له دمشق ، وحمص ، وحماة ، وحلب ، والجزيرة ، والموصل ، وديار بكر ، وغيرها ، ونصف ديار مصر ، وما في الخزائن من المال والجواهر والثياب والخيول والآلات وغيرها فحلفت له من تحت السيف ، رحمهالله.