أن يكون الحرم الشريف بما فيه من المزارات للمسلمين ، وكذا جميع أعمال القدس ما خلا عشر ضياع على طريق الفرنج من عكا إلى القدس ، وشرط أن يكون القدس خرابا ، ولا يجدد فيه عمارة البتة ، فلما مات الملك الكامل وجرى ما ذكرناه من الاختلاف بين الملوك ، عمر الفرنج في غريبه قلعة جعلوا برج داود عليهالسلام من أبراجها ، وكان بقي هذا البرج لم يخرب لما خرب الملك المعظم أسوار القدس ، ولما اعتقل الملك الناصر داود الملك الصالح نجم الدين بالكرك ، توجه الملك الناصر بعسكره ومن معه من أصحاب الملك الصالح نجم الدين إلى القدس ، ونازل القلعة التي بناها الفرنج ، ونصب عليها المجانيق ، ولم يزل مصابرا لها حتى سلمت إليه بالأمان ، فهدمها وهدم برج داود عليهالسلام ، واستولى على القدس ، ومضى من كان فيه من الفرنج إلى بلادهم ، واتفق وصول محيي الدين يوسف بن الجوزي ، وصحبته جمال الدين يحيى بن مطروح فقال جمال الدين المذكور :
المسجد الأقصى له عادة |
|
سارت فصارت مثلا سائرا |
إذا غدا بالكفر مستوطنا |
|
أن يبعث الله له ناصرا |
فناصر طهره أولا |
|
وناصر طهره آخرا |
... وكان في الملك الناصر داود رحمهالله فضيلة ، وبقية في الآداب والعلوم ، ومحبة في العلماء وتقريبه لهم واحسانه إليهم ، وإلى كل من تقدم إليه أوحد زمانه جوادا كريما كثير العطاء ممدحا ، وشعره في نهاية الجودة والفصاحة ، وكان في البيت الأيوبي جماعة ينظمون الشعر ، لم يكن فيهم من يتقدمه فيه إلا إن كان الملك الأمجد مجد الدين بهرام شاه صاحب بعلبك ، فإنه شاعر مجيد مكثر ، وكان قد أدركته حرمة الأدب ، كما أدركت عبد الله بن المعتز وغيره من الملوك الفضلاء ، ولم يزل منذ توفي والده رحمهالله في سنة أربع وعشرين وستمائة وإلى أن أدركته منيته