تسليمها إلى الملك الصالح نجم الدين ، وأن يأخذا عوضا عنها ، فسار الملك الأمجد إلى العسكر بالمنصورة ، فوصل يوم السبت لسبع مضين من جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين ، واجتمع بالملك الصالح فأكرمه ، وأقبل عليه وتحدث مع الملك الصالح في تسليم الكرك ، وتوثق منه ولنفسه ولإخوته ، وطلب خبزا بالديار المصرية يقوم به ، فأجابه إلى ذلك ، وسير إلى الكرك الطواشي بدر الدين بدر الصوابي متسلما لها ، ونائبا عنه بها ، ووصل إلى العسكر أولاد الملك الناصر جميعهم ، وأخواه : الملك القاهر عبد الملك ، والملك المغيث عبد العزيز ، ونساؤهم وجواريهم وغلمانهم وأتباعهم ، واقطعوا اقطاعات جليلة ، ورتب لهم الرواتب الكثيرة ، وأنزل أولاد الملك الناصر الأكابر وأخواه في الجانب الغربي قبالة المنصورة ، وفرح الملك الصالح بأخذ الكرك فرحا عظيما مع ما هو فيه من المرض العظيم الذي لا يرجى برؤه ، وزينت القاهرة ومصر وضربت البشائر بالقلعتين ، وكان تسلم الكرك يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وستمائة.
وحكي لي أن آكد الأسباب في تسليم الكرك ، مع ما تقدم ذكره من الأسباب أن الملك الناصر كان يميل إلى شخص من أولاد غلمانه يدعى اسحاق ، وكان بارع الجمال ، مفرط الحسن ، وله فيه أشعار مشهورة ، فلما توجه إلى حلب تركه بالكرك ، فمال إليه الملك الأمجد ابن الناصر ميلا مفرطا ، واستحوذ عليه ، وانصب الشاب إلى الملك الأمجد ، وكلاهما جميل الصورة والأمجد أسن منه بسنين يسيرة ، وجرى في ذلك فصول يطول شرحها ، فتخيل الأمجد أن والده متى تمكن منه فرق بينهما قطعا ، وربما أعدم الشاب بالكلية ، لأنه كان شديد الغيرة عليه ، ولا يخلو الأمجد من أذية تناله ، ومكروه يوقعه به ، فكان هذا آكد الأسباب في تسليمها ، ولو تأخر تسليمها لبقيت لهم مع تقدير الله تعالى ، فإن الملك الصالح كان قد اشتغل عنهم وعن غيرهم بنفسه وما به من الأمراض العظيمة