ثلاث وخمسين طلب من الملك الناصر دستورا ليمضي إلى العراق ليأخذ الوديعة ، ثم يتوجه إلى مكة شرفها الله تعالى لقضاء فريضة الحج فأذن له ، وطلب منه أن يكتب له كتابا إلى الخليفة يشفع له في رد وديعته إليه ، ويخبره بالرضا عنه لينقطع بذلك ما يحتج به عليه من جهته ، فأجابه إلى ذلك ، وكتب له فسافر إلى العراق ، وجعل طريقه على كربلاء مشهد الحسين بن علي عليهماالسلام ، وأقام به وسير إلى الخليفة المستعصم بالله قصيدة يمدحه بها ، ويتلطف ويمت بقصده وخدمته ...
فلم يجد شيئا ، ثم توجه إلى مكة شرفها الله تعالى ، وقضى فرائض الحج وسننه ، ووقعت فتنة بمكة بين أهلها والركب العراقي ، فركب أمير الحاج العراقي بمن معه من عسكر الخليفة ، وكاد تقع بينهم ملحمة عظيمة ، فقام الملك الناصر داود في الإصلاح أحسن قيام ، واجتمع بالشريف قتادة أمير مكة ، وأحضر إلى أمير الحاج مذعنا له بالطاعة ، وقد جعل عمامته في عنقه ، فرضي عنه أمير الحاج ، وخلع عليه وزاده على ما جرت به العادة من الرسم ، وقضى الناس مناسكهم وتفرقوا إلى أوطانهم ، وهم شاكرون لجميل صنع الملك الناصر ، واصلاحه لذات البين وحفظه بما فعل لأموالهم وأرواحهم وكثر دعاؤهم له وثناؤهم عليه ، ثم توجه مع أمير الحاج العراقي ، فلما قدم مدينة سيدنا المصطفى صلىاللهعليهوسلم قام بين يدي الحجرة الشريفة ، وأنشد مادحا للنبي صلىاللهعليهوسلم وفرائصه ترتعد ولسانه من هيبة ذلك المقام تتلجلج ...
ثم أحضر شيخ الحرم وخدامه ، ووقف بين يدي النبي صلىاللهعليهوسلم متمسكا بأذيال الحجرة المقدسة وقال بمشهد : وإن هذا مقامي من رسول الله صلىاللهعليهوسلم داخلا عليه مستشفعا به إلى ابن عمه الإمام المستعصم بالله أمير المؤمنين في أن يرد علي وديعتي ، فأعظم الناس هذا المقام الشريف ، وجرت عبراتهم وكثر بكاؤهم ، وكتب في الحال بصورة ما جرى إلى الخليفة ، وحمل المكتوب إلى أمير الحاج ، وحدثه