الحاضرون بصورة ما جرى في تلك الحضرة الشريفة المقدسة ، وكان ذلك يوم السبت الثامن والعشرين من ذي الحجة سنة ثلاث وخمسين ، ثم توجه الركب العراقي وصحبتهم الملك الناصر فلما صاروا ببعض المنازل ، خرج عليهم جمع عظيم من العرب يريدون نهبهم وأخذ أموالهم وأشرعوا لهم الأسنة ، وأخذوا في مقاتلتهم ومحاربتهم واشتد القتال بينهم ، وكادوا يظفرون بأمير الحاج ومن معه ، فخرج الملك الناصر فشق الصفوف ، واستدعى بأمير السرية وهو أحمد بن حجي بن زيد من آل مرى ، وكان أبوه الأمير حجي صاحب الملك الناصر داود ، وصاحب والده الملك المعظم ، وللناصر عليه آياد عظيمة فدنا أحمد من الملك الناصر فحذره سوء عاقبة فعله وإقدامه على ركب الخليفة ، وأخذ في محادثته تارة بالترهيب ، وتارة بالترغيب إلى أن إنقاد له وأجاب إلى الكف ، ولما رجع الحاج وصحبتهم الملك الناصر إلى العراق خرج أمر الخليفة بإنزال الملك الناصر بالمحلة ، فنزل بها وقرر له راتب لا يكفيه ، وجرى له ما ذكرنا من محاسبته على ما وصل إليه من الضيافة وغيرها ، فعاد إلى الشام ، ولم يحصل له المقصود وآخر أمره أنه وصل إلى قرقيسيا ، ثم عاد منها إلى تيه بني إسرائيل كما ذكرنا ، وانضم إليه جماعة من العرب ، ورام فيما قيل أن يتصل بالبحرية ، وذلك في أوائل سنة ست وخمسين ، وبلغ الملك المغيث فتح الدين عمر صاحب الكرك ، فخاف منه أن يكثر جمعه من العرب ، والترك ، فيقصده فراسله مخادعا له بإظهار المودة ، ثم أرسل إليه عسكرا فقبضوا عليه وعلى من معه من أولاده ، فلما وصلوا بهم إلى اللاجية من غور زغر أفردوه منهم ، وأذنوا للأولاد أن ينصرفوا حيث شاؤوا ، ومضى أصحاب الملك المغيث بالملك الناصر داود إلى بلد الشوبك ، وكان تقدم الملك المغيث بأن يهيئ له مطمورة يحبس فيها لينقطع خبره ، فلما وصلوا به إلى ذلك المكان وجدوا المطمورة لم يتم عملها ، فأنزلوه في طور هارون عليهالسلام ، فلجأ إليه مستشفعا به وبأخيه موسى صلى الله عليهما وسلم ، واتفق أن الخليفة لما قصده