التتر في هذه السنة ـ أعني سنة ست وخمسين ـ كما ذكرنا اضطر إلى الانتصار بكل أحد ، فأرسل إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف يستمده بالرجال ، ويطلب منه أن يسير إليه الملك الناصر داود مقدما على من يبعثه من العساكر التي يستخدمهم لنصرة الإسلام ، فوصل الرسول من الخليفة بذلك إلى دمشق ، ثم توجه إلى الكرك لإحضار الملك الناصر داود لهذا المهم ، فأتاه الفرج من حيث لا يحتسب ، بعد أن أقام في طور هارون عليهالسلام ثلاث ليال فقال في ذلك ...
... فأفرج الملك المغيث عنه ، وتوجه إلى دمشق ونزل بالبويضا شرقي دمشق ، وأقام بها يتجهز للمسير لنصرة الخليفة ، وقصر الصلاة مدة إقامته بالبويضا ، وتواترت الأخبار بمضايقة التتر بغداد ، فأشار عليه جماعة من أصحابه بأن يتأني في الحركة ، فقال : إني قد بعت نفسي من الله تعالى ، وما توجهي لطلب دنيا ، وإنما مقصودي أن أبذل نفسي في سبيل الله ، لعل الله تعالى يجعل على يدي نفعا للمسلمين ، أو تحصل لي الشهادة في سبيله ، وبينما هو على هذه النية وردت الأخبار بأن التتر ملكوا بغداد ، وشاع أيضا خبر ، لا حقيقة له ، وهو أن الخليفة لحق بالعرب ، فقال : لا بد لي من اللحاق به فله في عنقي بيعة ، وقد لزمني الوصول إليه وأخذ بغداد منه لا يسقط وجوب اتباع أمره ، والذي يخشاه الناس القتل ، وأنا لا أخشاه ، وعرض في هذه السنة الطاعون عمّ الشام ، وديار مصر ، وغيرها ، فحكى عبد الله بن فضل أحد من كان في خدمته قال : لما اشتد الوباء والطاعون عقيب أخذ التتر بغداد ، تسخطنا به ، فقال لنا الملك الناصر : لا تسخطوا به فإن الطاعون لما وقع بعمواس في خلافة عمر بن الخطاب رضياللهعنه قال بعض الناس : هذا وجه هذا الطاعون الذي بعث على بني إسرائيل ، فبلغ ذلك معاذ بن جبل رضياللهعنه ، فقام في الناس خطيبا وقال : أيها الناس لا تجعلوا دعوة نبيكم صلىاللهعليهوسلم ورحمة ربكم عذابا ، وتزعمون أن الطاعون هو الطاعون الذي بعث علي