بني إسرائيل ، إن الطاعون رحمة ربكم رحمكم بها ، ودعوة من نبيكم لكم ، اللهم ادخل على معاذ منه نصيبه الأوفى ، قال : ثم اقتص علينا موت معاذ وابنه وأهل بيته بالطاعون ، ثم ابتهل وقال : اللهم اجعلنا منهم وارزقنا ما رزقهم ، وأصبح من الغد أو بعده مطعونا ، فلما سمعت بمرضه جئت إليه وهو يشكو ألما مثل الطعن بالسيف في جنبه الأيسر بحيث يمنع من الاضطجاع ، وحكى ولده شهاب الدين غازي عنه أنه نام بين الصلاتين ، ثم انتبه فقال : إني رأيت جنبي الأيسر يقول لجنبي الأيمن : أنا قد جاءت نوبتي ، والليلة نوبتك ، فاصبر كما صبرت ، فلما كان عشية النهار شكا ألما خفيفا تحت جنبه الأيمن ، وأخذ في التزايد ، وتحققنا أن ذلك الطاعون ، فبينما أنا عنده بين الصلاتين ، وقد سقطت قواه إذ أخذته سنة ، فانتبه وفرائصه ترتعد ، فأشار إلي فدنوت منه فقال : رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم والخضر عليهماالسلام قد جاءا إلى عندي ، ثم انصرفا ، فلما كان آخر النهار قال : ما في رجاء فتهيىء في تجهيزي ، فبكيت وبكى الحاضرون ، فقال : لا تكن إلا رجلا ولا تعمل عمل النساء ، ولا تغير هيئتك وأوصاني بأهله وأولاده ، ثم اشتد به الضعف ليلا ، وقمت في حاجة فحدثني بعض من كان عنده من أهله أنه أفاق مرعوبا ، وقال : بالله تقدموا إلى جانبي فإني أجد وحشة ، فسئل لم ذلك ، فقال : أرى صفا عن يميني وصورهم جميلة وعليهم ثياب حسنة ، وصفا عن يساري وصورهم قبيحة ، فيهم أبدان بلا رؤوس ، وهؤلاء يطلبوني ، وهؤلاء يطلبوني ، وأنا أريد أن أروح إلى أهل اليمين ، وكلما قال لي أهل الشمال مقالتهم ، قلت : ما أجىء إليكم خلوني من أيديكم ، ثم أغفى إغفاءة ، ثم استيقظ وقال : الحمد لله خلصت منهم ، وكانت وفاته رحمة الله تعالى صباح تلك الليلة ، وهي ليلة السبت السادس والعشرين من جمادى الأولى هذه السنة ، وعمره نحو ثلاث وخمسين ، وقد استولى عليه الشيب استيلاء كثيرا ، وفي صبيحة موته جاء الملك الناصر صلاح الدين يوسف رحمهالله في أقاربه وعساكره إلى البويضا ، وأظهر التأسف والحزن عليه ،