ثم اقتنى الملك المنصور سيف الدين قلاوون رحمهالله منهم أكثر من الملك الظاهر ، ولما مات الملك الصالح نجم الدين لم يحزن لموته إلا القليل ، مع ما كان الناس فيه من قصد للفرنج الديار المصرية واستيلائهم على قطعة منها ، وسر معظم الناس بموته حتى خواصه ، فإنهم لم يكونوا يأمنون سطوته ، ولا يقدرون على الاحتراز من كل ما ينتقده عليهم ويؤاخذهم به ، فإنه كان يؤاخذ على أيسر هفوة بأعظم عقوبة ، ولم يكن في خلقه الميل إلى أحد من أصحابه ، ولا أهله ولا أولاده ، ولا المحبة لهم ، والحنو عليهم على ما جرت به العادة ، وكان يلازم في خلواته ومجالس أنسه من الناموس ما يلازمه إذا كان جالسا في دست السلطنة ، وكان عفيف الذيل ، طاهر اللسان قليل الفحش في حال غضبه ، ينتقم بالفعل لا بالقول ، رحمهالله وبالجملة فقد خرجنا عن المقصود ، ونعود إليه إن شاء الله تعالى.
وأما بهاء الدين زهير رحمهالله فاتصل بعد موت الملك الصالح بخدمة الملك الناصر صلاح الدين يوسف رحمهالله ، وله فيه مدائح حسنة يتضمنها ديوانه ، ثم فارقه ورجع إلى الديار المصرية ، ولزم بيته يبيع كتبه وموجوده وينفقه ، وانكشف حاله بالكلية ، ولما عرض بالبلاد الوباء العام عقيب أخذ التتر بغداد ، مرض أياما ثم توفي إلى رحمة الله تعالى قبل المغرب من يوم الأحد رابع ذي القعدة ، وقيل خامسه ، هذه السنة عن خمس وسبعين سنة غير شهر واحد ، ودفن بالقرافة الصغرى وفضيلته أشهر من أن تحتاج إلى الإطناب في ذكرها ، وأما مروءته وكرم طباعه وعصبيته لكل من يلوذ به ويقصده فذلك أمر مشهور ، وكان في أول أمره كاتبا عند المكرم بن اللمطى متولي قوص والصعيد في الأيام الكاملية ...
... وكان بهاء الدين في خدمة الملك الصالح نجم الدين بالشرق ، فأرسله مرة إلى الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل ، فلما قدمها حضر عنده شعراؤها ومدحوه ، ومن جملتهم شرف الدين أبو