وأمره بختمه فختمه وجهزه ، ولم يتأمله وأعطاه للنجاب ، فسافر به لوقته ، ولما استبطأ الملك الصالح عود الكتاب إليه ليعلّم عليه سأل عنه بهاء الدين وقال : ما وقفت على ما كتبته بخطي بين الأسطر؟ قال : ومن يجسر أن يقف على ما كتبه السلطان بخطه إلى ابن عمه وأخبره أنه سيره مع النجاب ، فسيروا في طلبه فلم يدركوه ، ووصل الكتاب إلى الملك الناصر بالكرك فعظم عليه ، وتألم له ، وكتب إلى الملك الصالح يعتبه العتب المؤلم ، ويقول له : والله ما بي ما يصدر منك في حقي وإنما بي اطلاع كتابك على مثل ذلك ، فعز على الملك الصالح ، وغضب على بهاء الدين زهير ، وبهاء الدين لكثرة مروءته نسب ذلك إلى نفسه ، ولم ينسبه إلى فخر الدين إبراهيم بن لقمان رحمهالله تعالى.
وكان الملك الصالح كثير التخيل والغضب ، والمؤاخذة على الذنب الصغير ، والمعاتبة على الوهم ، لا يقيل عثرة ، ولا يقبل معذرة ، ولا يرعى سالف خدمة ، والسيئة عنده لا تغفر ، والتوسل إليه لا يقبل ، والشفائع لديه لا تؤثر ، ولا يزداد بهذه الأمور التي تسل سخائم الصدور إلا حقدا وانتقاما ، وكان ملكا جبارا متكبرا ، شديد السطوة ، كثير التجبر والتعاظم يتكبر على أصحابه وندمائه وخواصه ، ثقيل الوطأة ، لا جرم أن الله تعالى قصر مدة مملكته وابتلاه بأمراض عدم فيها صبره ، وقتل مماليكه ولده توران شاه من بعده ، لكنه كان عنده سياسة حسنة ، ومهابة عظيمة وسعة صدر في إعطاء العساكر ، والإنفاق في مهمات الدولة ، لا يتوقف فيما يخرجه في هذا الوجه ، وكانت همته عالية جدا ، وآماله بعيدة ، ونفسه تحدثه بالاستيلاء على الدنيا بأسرها ، والتغلب عليها ، وانتزاعها من يد ملوكها ، حتى لقد حدثته نفسه بالاستيلاء على بغداد ، والعراق ، وكان لا يمكن القوي من الضعيف ، وينصف المشروف من الشريف ، وهو أول من استكثر من المماليك من ملوك البيت الأيوبي ، ثم اقتدوا به لما آل الملك إليهم ، فاقتنى الملك الظاهر ركن الدين بيبرس رحمهالله أكثر منه ،