فلمّا جلا صبغ الدّجى قلت حاجب |
|
من الصّبح أم قرن من الشّمس لامع |
إلى أن رنا والصّبح رائد طرفه |
|
كما راع ظبيا بالصّريمة رائع |
فنازعته الصّهباء والليل دامس |
|
رقيق حواشي البرد والنّسر واقع |
عقار عليها من دم الصّبّ نفضة |
|
ومن عبرات المسهام (فواقع) (١) |
يدير إذا سحّت عيونا كأنّها |
|
عيون العذارى شقّ عنها البراقع |
معوّدة غصب العقول كأنّما |
|
لها عند ألباب الرّجال ودائع |
فبتنا وظلّ الوصل دان وسرّنا |
|
مصون ومكتوم الصّبابة ذائع |
إلى أن سلا عن ورده فارط القطا |
|
ولاذت بأطراف الغصون السّواجع |
فولّى أسير السّكر يكبو لسانه |
|
فتنطق عنه بالوداع الأصابع |
قال صاحب اليتيمة : قرأت للصاحب فصلا في ذكره فاستملحته وهو ، (وأما ابن بابك وكثرة غشيانه بابك ، فإنّما تغشى منازل الكرام ، والمنهل العذب كثير الزحام).
وكانت وفاته في سنة عشر وأربعمائة ببغداد. وشعره طبقة عالية ، ولعمري انّ الطاعن عليه قد أغرب (في قوله ، وأدّى به الحسد له إلى ما لا يتوهمه أحد ، ولكنّ سورة الحسد تقحم إلى أفظع من هذا) (٢).
وهذا الصاحب بن عباد المذكور مع غزارة فضله ، وسجاحة خلقه (٣) قيل : أنّه كان أشدّ الناس حسدا لأهل الفضل والأدب ، وعلى هذا خيطت شواكل الفضل وأقراب العلم. فكان يعمل في أوقات العيد ومواسم النيروز شعرا ويدفعه إلى رجل ويقول له : قد نحلتك هذه القصيدة فامدحني بها في جملة الشعراء ، وكن الثالث من المنشدين. فيفعل الرجل ذلك ، فيقول له عند سماعه شعره في نفسه : أعد يا فلان فإنك مجيد محسن ، أحسنت يا أبا فلان قد
__________________
(١) (فواقع) كذا ورد في الأصول ويتيمة الدهر ، والصواب (فقاقع).
(٢) وردت الجملة في ك هكذا (فيما قاله وعثر فيما لم تسعه إقالة).
(٣) في ك زيادة بعد كلمة (خلقه) هذا نصّها (ودينه وعقله وعلمه ونبله قال فيه بعض أعدائه).