نقل القرطبي (١) عن أبي بكر الطرطوشي (*) أنه سئل عن قوم يجتمعون في مكان يقرؤن شيئا من القرآن ، ثم ينشد لهم منشد شيئا من الشعر فيرقصون ويطربون ويضربون بالدف والشبّابة (٢) ، هل الحضور معهم حلال أو لا؟. فأجاب : مذهب السادة الصوفية ، ان هذا بطالة وجهالة.
(قال العلامة الدميري في حياة الحيوان الكبرى : وقد رأيت أنه أجاب بلفظ غير هذا وهو أنّه قال : مذهب الصوفية بطالة وضلالة وجهالة ، إلى آخر كلامه). وما الإسلام إلّا كتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوسلم ، وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذ عجلا جسدا له خوار قاموا يرقصون حوله ويتواجدون ، فهو دين الكفار ، وعباد العجل. وإنّما كان النبي صلىاللهعليهوسلم يجلس مع أصحابه كأنّ على رؤوسهم الطير مع الوقار. فينبغي للسلطان ونوّابه أن يمنعوهم من الحضور في المساجد وغيرها ، ولا يحلّ لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم ، ولا يعينهم على باطلهم. هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم من أئمة المسلمين. انتهى.
ولنعد إلى ما نحن بصدده. ثم لم نزل نصل المسير بالسرى ، ونفترع الآكام والذرى ، حتى طوينا جملة تلك المراحل ، وقطعنا الخصب منها والماحل ، فكان آخر منزل نزلناه ، وأمطنا فيه شعث السفر وأزلناه : قصرا لبعض خدام مولانا السلطان ، يشتمل على بستان يملأ العين قرّة ويسلي عن الأوطان. مستحكم الأركان والقواعد ، قد استدار به نهر استدارة القلب (٣) بالساعد ، يختال من روضه في حلّة مفوّفة بالأزهار ، مطرّزة بالجداول والأنهار. فبتنا به ليلة نراقب فيها تشمير الليل ذيله ، فلما أسفر الفجر عن صبح يوم الجمعة المبارك بقدرة الله تعالى وتبارك ، لثمان بقين من شهر ربيع الأول
__________________
(١) هو أبو بكر محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ، من كبار المفسرين. توفي سنة ٦٧١ ه (الأعلام ٦ / ٢١٧).
(٢) الشبابه (بفتح الشين وتشديد الباء) : قصبة الزمن.
(٣) القلب (بالضم) : سوار للمرأة غير ملوي.