مستطعما (١) الكلام فقلت : أصلح الله الأمير ما رأيت أنبل من هذا المجلس وأحسن ، ودعوت له ثم قلت : لكنّه سرف ، فقال : السرف من الشرف ، فأردت أن أذكر الآية التي فيها «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا» (٢) فجاءت الآية الأخرى (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)(٣) ، فقال لي : صدق الله العظيم وما قلنا فكما قلنا. قال : ثم ضرب الدّهر ضربانه حتى اجتمعنا مع ابنه عبد الله في ذلك القصر بعينه ، فخرج علينا راكبا يتمثّل (٤) :
يا أيّها المتمنّي أن يكون فتى |
|
مثل ابن ليلى فقد خلّى لك السّبلا |
انظر ثلاث خلال قد جمعن له |
|
هل سبّ من أحد أو سبّ أو بخلا (٥) |
ثم دار حول الرافقة ، ثم انصرف وجلس مجلسه وحضرناه ، وأحضرت رقاع وقصص فجعل يوقع فيها وأنا أحصي حتى بلغت صلاته ألفي ألف وسبعمائة ألف ، ثم التفت إليّ مستطعما الكلام ، فدعوت له وحسّنت أفعاله فقلت نعم أعزّ الله الأمير ، السرف من الشرف ، وكررتها. فقال : لم كرّرتها؟ فقلت أني كنت أسقطت (٦) عند ذي اليمينين (٧) وقصصت عليه القصّة فما زال يضحك ويتعجب.
رجع : ومنهم شيخ الإسلام ، وعلّامة العلماء والأعلام ، مالك زمام الفضائل ، مرجع سائر الأفاضل ، ذو الخصال التي تميّز بها عن الأعيان والخلال التي عزت عن أن تعزّز بثان ، رافع رايات الشريعة الشريفة ، وحافظ آيات الذريعة المنيفة ، من تطابقت على فضله الألفاظ والمعاني ، وبلغت به
__________________
(١) استطعمه الحديث : سأله أن يحدثه.
(٢) الآية ٦٧ من سورة الفرقان.
(٣) الآية ١٤١ من سورة الانعام ، والآية ٣١ من سورة الأعراف. في الأصول (أن الله لا يحب المسرفين) وهو من أوهام النسخ.
(٤) الشعر لمحمد بن بشير بن بشير من بني خارجة (ترجمته في الأغاني ١٦ / ٦١).
(٥) في الأغاني (أعدد ثلاث خصال قد عرفن له).
(٦) أسقطت : أخطأت. في أساس البلاغة أسقط في كتابه وحسابه : أخطأ.
(٧) ذو اليمينين : طاهر بن الحسين الخزاعي ، توفي سنة ٢٠٧ ه (الأعلام ٣ / ٣٤٨).