غامرا والغامر عامرا ، والشمال جنوبا والجنوب شمالا ، ورتب في بيت الذهب حساب البدء الأول ، والتاريخ الأقدم الذي عليه عمل الهند في تاريخ البدءة وظهورها في أرض الهند وسائر الممالك. ولهم في البدء خطب طويل.
وكان ملك البرهمن إلى أن هلك ثلثمائة وستين سنة ، وولده يعرفون بالبراهمة إلى وقتنا هذا ، والهند تعظّمهم ، وهم أعلى أجناسهم وأشرافهم ، ولا يغتذون بشيء من الحيوان ، وفي رقابهم ـ الرجال والنساء منهم ـ خيوط صفر مقلّدون بها كحمائل السيوف فرقا بينهم وبين غيرهم من أنواع الهند.
قلت : وما ذكره باق إلى زماننا هذا ، ولهم مذاهب تفرّدوا بها عن سائر ملل الهند.
قال (١) : وكان قد اجتمع منهم في قديم الزمان في ملك البرهمن سبعة من حكمائهم المنظور إليهم منهم في بيت الذهب. فقال بعضهم لبعض : تعالوا حتى نتناظر فننظر ما قصّة العالم وما سرّه؟ ومن أين أقبلنا ومن أين نمرّ؟ وهل خروجنا من عدم إلى وجود حكمة أو ضد ذلك؟ وهل خالقنا المخترع لنا والمنشيء لأجسامنا يستجلب بخلقنا منفعة؟ أم هل يدفع بفنائنا عن هذه الدار عن نفسه مضرّة؟ أم هل يدخل عليه من الحاجة والنقص ما يدخل علينا؟ أم هل هو غني (من كلّ وجه عن اقتنائه إيّانا وإبلائنا بعد وجودنا؟) (٢).
فقال الحكيم المنظور إليه منهم : أترى أحدا من الناس أدرك الأشياء الحاضرة والغائبة على حقيقة الادراك فظفر بالبغية واستراح إلى الثقة؟.
وقال الحكيم الثاني : لو تناهت حكمة الباري عزوجل في أحد العقول كان ذلك نقصا من حكمته ، وكان الغرض غير مدروك ، وكان التقصير مانعا من الادراك.
وقال الحكيم الثالث : الواجب علينا أن نبتدئ بمعرفة أنفسنا التي هي أقرب الأشياء منا ، ونحن أولى بعلمنا من أن نتفرغ إلى علم ما بعدنا.
__________________
(١) القول للمسعودي في مروج الذهب.
(٢) في مروج الذهب (فما وجه أفنائه ايانا ، وإعدامنا بعد وجودنا وإيلامنا وملاذنا).