المعنى وشعره ينجر على الأرض ، وامراة بيدها مكنسة تحثو التراب على رأسه وتنادي : أيها الناس هذا ملككم بالأمس قد جاز فيكم حكمه ، وقد صار إلى ما ترون من ترك الدينا ، وقبض روحه ملك الموت بأمر الحيّ القديم الذي لا يموت ، فلا تغترّوا بالحياة بعد ، وتقول كلاما هذا معناه من الترهيب والتزهيد في هذا العالم ، ويطاف به شوارع المدينة ، ثم يفصل أربع قطع وقد هيّء له الصّندل والكافور وسائر أنواع الطيب فيطيّب ويحرق بالنار ، ثم يذرّى رماده في الرياح. وكذلك فعل أكثر الهند بملوكهم وخواصّهم لغرض يذكرونه ، ونهج يتمنّونه في المستقبل والملك مقصور في أهل البيت لا ينتقل عنهم إلى غيرهم ، وكذلك بيوت الوزراء والقضاة وسائر أهل المراتب لا تغيّر ولا تبدّل. والهند تمنع من شرب الشراب ، ويعنّفون شاربه لا على طريق التديّن ، لكن تنزيها عن أن يوردوا على عقولهم ما يغشيها ويزيلها عما وضعت له فيهم. وإذا صحّ عندهم عن ملك من ملوكهم شربه ، استحقّ الخلع من ملكه ، إذ كان لا يتأتى التدبير والسياسة مع الاختلاط. وربّما يسقون الجواري فيطربن بحضرتهم ، فتطرب الرجال لطرب الجواري. وللهند سياسات كثيرة. انتهى كلام المسعودي باختصار في بعض المواضع.
وأقول : ما ذكره كان فيما سلف من الزمان وقديم العصر. وأما الآن فقد استولت ملوك الاسلام على كثير من أقطار الهند ، واستحوذت على جملة من ممالكها. وأمّا أسامي الممالك التي ذكرها فلا تعرف الآن لتغير الملوك. فكلّ من عمّر منهم بلدة سماها باسمه ونسي اسمها الأول ، فلا تكاد تعرف بلدة باسمها القديم إلّا نادرا ، أو جزائر وأماكن شاحطة لم يدخلها ملوك الاسلام ، وذلك لسعة هذا القطر ، وتباعد ما بين جهاته. وقد بلغنا الآن أنّ ملكا من الكفرة الهنود إذا ركب إلى بيت الأصنام مشى أمامه ثمانية آلاف فيل.
وقرأت في كتاب لملك الهند إلى ملك سمرقند يفتخر فيه بسعة ملكه ويحدث بنعمة الله تعالى عليه ، يقول فيه : وكفى ملكنا اتساعا أنه ربع الربع المعمور ، والله أعلم بصحة ذلك.
وقطر الهند من الاقليم الثاني من الأقاليم السبعة.