فوقع عليّ البكاء ولم أدر من ينشده ، فلما أصبحنا قلت لبعض أهل طرسوس : سمعت البارحة كذا وكذا ، فقال : قم معي فجاء بي الى شيخ ، ذكر أنه من فرسان العرب ، وصعاليك الغزاة ، فقال : هذا الفتى كان الذي سمعته (١٦ ـ و) البارحة يقول فينشد الابيات ، فقال : أنا من رهط قيس بن ذريح حدثني أبي عن آبائه وأجداده ، أن قيس بن ذريح لما فارق لبنى أنشأ هذه الأبيات واشتهر بذكر هنا وهي :
ولو أنني استطيع صبرا وسلوة |
|
تناسيت لبنى غير ما مضمر حقدا |
ولكن قلبي قد تقسمه الهوى |
|
شتاتا فما ألفى صبورا ولا جلدا |
سل الليل عني كيف أرعى نجومه |
|
وكيف أقاسي الهم مستخليا فردا |
كأن هبوب الريح من نحو أرضكم |
|
يثير فتات المسك والعنبر الندا |
أبو بشر التنوخي :
وقيل أبو بشير حكى بعض أمر وقعة اليرموك ، وكان نصرانيا من تنوخ ، خرج من أنطاكية مع باهان ملك الروم حين توجه الى اليرموك ، حكى ذلك عنه أبو جهضم الأزدي ، ذكر ذلك عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي ، وأبو اسماعيل محمد بن عبد الله الأزدي البصري.
أبو بشر الوزير الحلبي النصراني :
كان وزيرا للأمير محمود بن نصر بن صالح بن مرداس الكلابي ، أمير حلب ، وكان قد ساعد محمودا بماله حتى ملكه حلب واستجذب إليه العرب ، وكان محمود في أول ملكه حسن الأخلاق ، كريم النفس ، ثم تغير بعد ذلك على أصحابه وشحت نفسه ، وتغيرت أخلاقه بعد رحيل السلطان العادل ألب أرسلان عن حلب (١٦ ـ ظ) (١).
فتغير على وزيره أبي بشر ، وكان القائد أبو الحسن بن أبي الثريا الذي كان وزيرا لعطية بن صالح بن مرداس قد سعى بأبي بشر ليلي وزارة محمود ، فقبض
__________________
(١) حاصر السلطان ألب أرسلان مدينة حلب سنة ٤٦٣ ه / ١٠٧١ م ولم يثمكن من اقتحامها ، بل حقق تسوية مع أميرها محمود بن نصر. انظر تفاصيل ذلك في كتابي امارة حلب : ١٤٠ ـ ١٤٥.