محمود أبا بشر الوزير ، وطالبه بمال جليل ، وكان محمود قد رغب في جمع المال وغلب عليه حب الدنيا ، فذكر له أبو بشر أنه عاجز عن أداء ما طولب به ، وأنه مما لا تصل يده ولا الى بعضه ، فأمر محمود بقتل ولد كان لأبي بشر وبقتل أخيه فقتلا ، وقطع رأساهما وعلفا في عنقه ، فسمع أبو بشر وهو يقول :
ويخ دهري ما أمرّه |
|
ما وفى خيره بشره |
وحلف أبو بشر أنه بعدما فعله بابنه وأخيه لا يظهر له شيئا من ماله ، وقال : كل من عنده لي شيء مودع فهو في حل منه وسعة ، وندم محمود على ما فعل وأراد الرجوع له وأرسل إليه شافع بن الصوفي أن يقرر عليه شيئا ويطلقه ، فامتنع واتفق أن محمودا اصطبح وقدم إليه طعام بعد سكره ، فأنفذ منه لأبي بشر مع فراشه ، فقام قائما وقبل الأرض وشكر ودعا ، فعرف ابن أبي الثريا ، فركب ولقي الفراش ودفع إليه مائة دينار وسأله أن يقول لمحمود إن هذا شيخ خرف لأنه لم يقبل طعام مولانا ، وقال : كافأه الله وعجل عليه ، ففعل الفراش ذلك ، ودخل ابن أبي الثريا عقيبه على محمود ، وجاراه في حديث لا يتعلق بأبي (١٧ ـ و) بشر ، فلم يقبل عليه ووجده مملوء القلب غيظا من جواب الفراش ، فقال ابن أبي الثريا : الله لا يشغل لمولانا خاطرا فما أراه منبسطا في مجلسه ولا مصغيا إلى المملوك ، فحدثه بما قال الفراش فقال : يا مولانا لم تزل إليه محسنا ، ويقابله بالاساءة فكيف يكون بعدما جرى عليه وعلى ابنه وأخيه ما جرى ، وأنا أدري أنك تريد ماله وقد تكرر قوله أن لا يعطيك شيئا.
قال محمود : هذا سيفي وخاتمي خذهما وامض إليه ، فإن لم يقر بشيء فاقتله ، فقام ابن أبي الثريا من عنده بذلك واشتغل محمود بالشرب فلهي عنه ، وأحضر ابن أبي الثريا أبا بشر فلم يطالبه بمال ، بل قال له : ما زلت تتجلد حتى صرت إلى هذه الحال ، فقال : يا قائد السوء قد علمت أن هذا كله من سعيك ، والأجل لا مرد له ، وهذا موت الشهداء ، ولكن استعد لرجلك بحبل فستموت ميته الكلاب وتجر جيفتك الى الخندق ، وقتل أبو بشر ورمي وسط بئر بستان القصر.
وصعد أبو نصر بن النحاس ثاني يوم قتل أبي بشر إلى خدمة محمود ، فقال