فإذا أعدت الجواب إليهم عدت بعد ذلك ، وقدمت حلب ، وكتب نور الدين محمود خطّه لعلاء الدين الكاساني بالمدرسة ، ورجع الكاساني وأعاد جواب الرسالة وعاد الى حلب ، ووصل الخبر بوصوله فخرج جماعة عظيمة من الفقهاء الى لقائه الى باب بزاعا.
قال لي خليفة : وكنت إذ ذاك صبيا صغيرا ، فخرجت مع والدي فيمن خرج ، فعهدي بالشيخ الكاساني والفقهاء مجتمعون حوله ، وأقام ذلك اليوم بباب بزاعا على عزم الدخول صبيحة تلك الليلة ، فجاءه في أثناء النهار رجل من الفقهاء وقال له : عبر هاهنا رجل شيخ فقيه ومعه جماعة من الفقهاء ، وقالوا : هذا عالي الغزنوي وقد جاء الى حلب لأخذ المدرسة ، فقال النجيب ـ يعني ـ محمد بن سعد الله بن الوزان وجماعة غيره من الفقهاء للكاساني : المصلحة أن نقوم وندخل الى حلب ، فبقي وقام وسار فوصل حلب بكرة ، وكان عالي قد وصلها العصر من اليوم المتقدم ، ونزل بالحجرة ، فوصل الكاساني ودخل المدرسة والفقهاء حوله ، فأرسل الفقهاء الى عالي وقالوا له : تقوم وتخرج لأجل الشيخ ، فامتنع فأعادوا له القول ثانيا ، وقالوا المصلحة : أنك تخرج بحرمتك وإلا يدخل من يخرجك قسرا بغير اختيارك ، فلما رأى الجد في ذلك خرج من الحجرة ومضى الى حجرة صغيرة كانت في جانب المدرسة ، فنزلها (٢٧ ـ ظ) وكان نور الدين إذ ذاك غائبا عن حلب فكوتب في ذلك فولى الكاساني المدرسة الكبيرة ، وكان ابن الحليم مدرسا بمدرسة الحدادين فاستدعي الى دمشق ، وولي مكانه عالي الغزنوي.
قال لي مقرب الدين أبو حفص عمر بن قشام : إن الشريف النقيب أبا طالب ـ يعني ـ أحمد بن محمد ، نقيب العلويين بحلب ، خرج وتلقى الكاساني وحرضه على سرعة الوصول الى حلب ، وقال لي ابن قشام : لما ورد الكاساني في الرسالة من الروم ، وطلبه نور الدين لتدريس المدرسة أجاب الى ذلك ، وقال : أعود وأودي جواب الرسالة ، ثم أرجع ، فمضى وبسطت له سجادة بالمدرسة وكانت تبسط كل يوم ويجتمع الفقهاء حولها الى أن قدم واستقل بالتدريس والنظر.
قال لي خليفة بن سليمان : ولم تزل حرمة الكاساني تعظم وتزيد ، ويرتفع أمره