أبو بكر بن يوسف بن محمد الحكيم الرسعني :
الملقب بالتقي ، حكيم فاضل من أهل رأس عين ، مهر في علم الطب ، وشذا (١) شيئا من الأدب ، وتمول ودخل الى بلاد الروم ، واتصل بخدمة علاء الدين كيقباذ بن كيخسرو وحظي عنده ، واتخذ بها أملاكا كثيرة ، ثم صار بعده مع ولده غياث الدين كيخسرو ، ثم بعده مع ولده كيكاوس ، وأرسله الى حلب الى الملك الناصر يوسف ، وتوجه الى مصر الى الملك المعظم تورانشاه ، ثم عاد الى مخدومه ، ثم جاء رسولا الى الملك الناصر (٢) وفي صحبته بنت علاء الدين زوج الملك الناصر ، وأعطاه عطاء حسنا ، وذلك في سنة احدى وخمسين وستمائة ، وعاد الى الروم ، ثم أرسله كيكاوس الى الملك الناصر فقدم حلب مجتازا ، ونفذ الى الملك الناصر ، ثم عاد ، ثم قدم عليه رسولا حين طرق التتار بلاد الروم ، فقدم دمشق ، وأقام بها مدة ، ثم عزم على التوجه الى مصر ليسير في البحر الى بلاد الروم ، فسيره المصريون (٣) في البحر لإبرام الصلح بينهم وبين الملك الناصر ، فقدم الى دمشق واستحلف لهم الملك الناصر (٣٠ ـ و) ثم صعد الى مصر وحضر يمين صاحبها الملك المنصور للملك الناصر ، ثم عاد الى دمشق فأقام بها مدة.
وعزم على التوجه الى مصر لانقطاع الطرق الى الروم ، فورد قاصد من كيكاوس بكتاب الى الملك الناصر يطلب منه أن يوجه اليه الحكيم المذكور ، وأخبرني القاصد المذكور أنه لو وصل اليه قتله ، فخاف خوفا عظيما ومرض وكتب الى الفرنج بالساحل يطلب منهم أمانا على نفسه وماله ، فأجابوه الى ذلك ، وأقام مريضا أياما وتوفي بدمشق في شهر ربيع الاول بين سنة سبع وخمسين وستمائة ، وأوصى أن يتصدق عنه بثلث ماله ويستفك منه أسارى ، وأسند وصيته الى الامير جمال الدين موسى ابن يغمور.
ووصل رسوله الى الفرنج بالامان له بعد موته وأحضره اليّ ، وكان الحكيم
__________________
(١) شذا الخبر : علم به. القاموس.
(٢) آخر ملوك بني أيوب في بلاد الشام أسره المغول من أصحاب هولاكو ، ثم قتل بأمر منه.
(٣) يريد بهم المماليك الذين استولوا حديثا على السلطة في القاهرة.